الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الغسل من غسل الميت

                                                                                                          993 حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا عبد العزيز بن المختار عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من غسله الغسل ومن حمله الوضوء يعني الميت قال وفي الباب عن علي وعائشة قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن وقد روي عن أبي هريرة موقوفا وقد اختلف أهل العلم في الذي يغسل الميت فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إذا غسل ميتا فعليه الغسل وقال بعضهم عليه الوضوء وقال مالك بن أنس أستحب الغسل من غسل الميت ولا أرى ذلك واجبا وهكذا قال الشافعي وقال أحمد من غسل ميتا أرجو أن لا يجب عليه الغسل وأما الوضوء فأقل ما قيل فيه وقال إسحق لا بد من الوضوء قال وقد روي عن عبد الله بن المبارك أنه قال لا يغتسل ولا يتوضأ من غسل الميت

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( من غسله الغسل ) وفي رواية أبي داود من طريق عمرو بن عمير عن أبي هريرة بلفظ : من غسل الميت فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ ( يعني : الميت ) هذا تفسير من بعض الرواة للضمير المجرور في قوله من غسله ومن حمله .

                                                                                                          [ ص: 61 ] قوله : ( وفي الباب عن علي ) أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وغيرهما ، ولفظ أبي داود قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم إن عمك الشيخ الضال قد مات قال : اذهب فوار أباك ، ثم لا تحدثن شيئا حتى تأتيني ، فذهبت فواريته وجئته فأمرني فاغتسلت ودعا لي . انتهى . قال الحافظ : مدار كلام البيهقي على أنه ضعيف ، ولا يتبين وجه ضعفه . قال : وقع عند ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظ فقلت إن عمك الشيخ الكافر قد مات فما ترى فيه ؟ قال أرى أن تغسله وتجنه كذا في التلخيص ( وعائشة ) أخرجه أبو داود ، وغيره بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع : من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة ومن غسل الميت 32 انتهى ، والحديث ضعيف .

                                                                                                          قوله : ( حديث أبي هريرة حديث حسن ) قال الحافظ في الفتح : هو معلول ؛ لأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة ، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : الصواب عن أبي هريرة موقوف . انتهى ، وقال في التلخيص بعدما ذكر طرقا عديدة لحديث أبي هريرة هذا ما لفظه : وفي الجملة هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنا ، فإنكار النووي على الترمذي تحسينه معترض ، وقد قال الذهبي في مختصر البيهقي : طرق هذا الحديث أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء ، ولم يعلوها بالوقف بل قدموا رواية الرفع . انتهى . قلت : الحق أن حديث أبي هريرة هذا بكثرة طرقه وشواهده لا ينزل عن درجة الحسن ، وقد صحح هذا الحديث ابن حبان كما ذكره الحافظ في التلخيص .

                                                                                                          قوله : ( فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم : إذا غسل ميتا فعليه الغسل ) أي : فالغسل عليه واجب ، وروي ذلك عن علي وأبي هريرة ، واستدلوا على الوجوب بحديث الباب وما في معناه ، فإنه بظاهره يدل على الوجوب ( وقال مالك بن أنس : أستحب الغسل من غسل الميت ، ولا أرى ذلك واجبا ، وهكذا قال الشافعي ، وقال أحمد : من غسل ميتا أرجو أن لا يجب عليه الغسل ) ، واستدل هؤلاء أيضا بحديث الباب ، لكنهم حملوا الأمر فيه على الاستحباب لحديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه إن ميتكم يموت طاهرا ، وليس بنجس ، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم أخرجه البيهقي ، وقد حسن الحافظ إسناده ، وقال فيجمع بينه وبين الأمر في حديث أبي هريرة بأن الأمر على الندب ، أو المراد بالغسل [ ص: 62 ] غسل الأيدي كما صرح به في هذا . انتهى ، ولحديث ابن عمر رضي الله عنه ( كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل ) ، قال الحافظ في التلخيص : إسناده صحيح ، وهو يؤيد أن الأمر في حديث أبي هريرة للندب ، وهو أحسن ما جمع به بين مختلف هذه الأحاديث . انتهى ، ولحديث أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنها غسلت أبا بكر حين توفي ، ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين ، فقالت : إن هذا يوم شديد البرد ، وأنا صائمة فهل علي من غسل ؟ قالوا : لا ، رواه مالك في الموطأ ، قال الشوكاني في النيل : وهو من الأدلة الدالة على استحباب الغسل دون وجوبه ، وهو أيضا من القرائن الصارفة عن الوجوب ، فإنه يبعد غاية البعد أن يجهل أهل ذلك المجمع الذين هم أعيان المهاجرين والأنصار واجبا من الواجبات الشرعية ، ولعل الحاضرين منهم جل المهاجرين وأجلهم ؛ لأن موت مثل أبي بكر حادث لا يظن بأحد من الصحابة الموجودين في المدينة أن يتخلف عنه ، وهم في ذلك الوقت لم يتفرقوا كما تفرقوا من بعد . انتهى ، وقال فيه : والقول بالاستحباب هو الحق لما فيه من الجمع بين الأدلة بوجه مستحسن . انتهى .

                                                                                                          ( وقد روي عن عبد الله بن المبارك أنه قال لا يغتسل ولا يتوضأ من غسل الميت ) استدل من ذهب إلى عدم استحباب الاغتسال من غسل الميت بحديث ابن عباس المذكور ، وبحديث أسماء بنت عميس المذكور ، وأجابوا عن حديث الباب بأنه ضعيف ، قال علي بن المديني ، وأحمد بن حنبل : لا يصح في الباب شيء ، وقال الذهلي : لا أعلم فيه حديثا ثابتا ، ولو ثبت للزمنا استعماله ، وقال الرافعي : لم يصحح علماء الحديث في هذا الباب شيئا مرفوعا ، وقد عرفت أن الحق أن حديث الباب بكثرة طرقه وشواهده لا ينحط عن درجة الحسن ، وأجابوا أيضا بأن حديث الباب منسوخ ، وقد جزم به أبو داود ، ونقله عن أحمد ، وفيه أن النسخ لا يثبت بالاحتمال ، بل إذا وجد ناسخ صريح ، وهو متأخر .




                                                                                                          الخدمات العلمية