الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 326 ] معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد


257 . أجمع جمهور أئمة الأثر والفقه في قبول ناقل الخبر      258 . بأن يكون ضابطا معدلا
أي : يقظا ، ولم يكن مغفلا      259 . يحفظ إن حدث حفظا ، يحوي
كتابه إن كان منه يروي      260 . يعلم ما في اللفظ من إحاله
إن يرو بالمعنى ، وفي العداله      261 . بأن يكون مسلما ذا عقل
قد بلغ الحلم سليم الفعل      262 . من فسق أو خرم مروءة ومن
زكاه عدلان ، فعدل مؤتمن      263 . وصحح اكتفاؤهم بالواحد
جرحا وتعديلا خلاف الشاهد

التالي السابق


قال ابن الصلاح : أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه ، على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلا ضابطا لما يرويه ، ثم فصل شروط العدالة ، ثم شروط الضبط . وقدمت شروط الضبط على العدالة; لتقدم الضبط في النظم .

[ ص: 327 ] فقولي : ( أي : يقظا ) ، إلى قولي : ( وفي العدالة ) ، تفسير للضبط; ويقظ - بضم القاف وكسرها - لغتان ، حكاهما الجوهري وغيره . وقولي : ( يحوي كتابه ) ، أي : يحتوي عليه ، ويحفظه من التبديل والتغيير . وقد نص الشافعي على اعتبار هذه الأوصاف فيمن يحتج بخبره ، فقال في كتاب الرسالة التي أرسل بها إلى عبد الرحمن بن مهدي : لا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا منها : أن يكون من حدث به ثقة في دينه ، معروفا بالصدق في حديثه ، عاقلا لما يحدث به ، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ ، أو يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه ، كما سمعه ، لا يحدث به على المعنى; لأنه إذا حدث به على المعنى ، وهو غير عالم بما يحيل معناه ، لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام .

وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه إحالته الحديث ، حافظا إن حدث من حفظه ، حافظا لكتابه إن حدث من كتابه ، إذا شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم ، بريئا من أن يكون مدلسا ، يحدث عمن لقي ما لم يسمع منه ، ويحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يحدث الثقات خلافه ، ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه ، حتى ينتهى بالحديث موصولا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو إلى من انتهي به إليه دونه; لأن كل واحد منهم مثبت من حدثه ومثبت على من حدث عنه ، فلا يستغنى في كل واحد منهم عما وصفت انتهى كلام الشافعي - رضي الله عنه - .

وقولي: ( وفي العدالة ) ، إلى آخر قولي: ( أو خرم مروءة ) ، بيان لشروط العدالة ، وهي خمسة: الإسلام ، والبلوغ ، والعقل ، والسلامة من الفسق وهو ارتكاب كبيرة ، أو إصرار على صغيرة- والسلامة مما يخرم المروءة ، ولم نذكر في شروطها الحرية ، وإن ذكره الفقهاء في الشهادات; لأن العبد مقبول الرواية [ ص: 328 ] بالشروط المذكورة بالإجماع ، كما حكاه الخطيب بخلاف الشهادة على أن جماعة من السلف أجازوا شهادة العبد العدل وإن كان الجمهور على خلاف ذلك: وهذا مما تفترق فيه الرواية والشهادة ، كما ذكره القاضي أبو بكر وغيره.

فهذه إذا شروط العدالة في الرواية . ومن يقبل أيضا رواية الصبي المميز الموثوق به ، لم يشترط البلوغ . وفي المسألة وجهان حكاهما البغوي والإمام وتبعهما الرافعي ، إلا أنه قيد الوجهين في التيمم بالمراهق ، وصحح عدم القبول ، وتبعه عليه النووي ، وقيده في استقبال القبلة بالمميز ، وحكى عن الأكثرين عدم القبول . وحكى النووي في شرح المهذب عن الجمهور قبول أخبار الصبي المميز فيما طريقه المشاهدة بخلاف ما طريقه النقل ، كالإفتاء ، ورواية الأخبار ، ونحوه وسبقه إلى ذلك المتولي فتبعه ، والله أعلم .

وقولي: ( ومن زكاه عدلان ) ، إلى آخره ، بيان لما تثبت به العدالة فمما تثبت به تنصيص معدلين على عدالته ، كما في الشهادة.

واختلفوا هل تثبت العدالة والجرح بالنسبة إلى الرواية بتعديل عدل واحد وجرحه ، أو لا يثبت ذلك إلا باثنين ، كما في الجرح والتعديل في الشهادات; على قولين وإذا جمعت الرواية مع الشهادة صار في المسألة ثلاثة أقوال [ ص: 329 ] أحدها أنه لا يقبل في التزكية إلا رجلان ، سواء التزكية للشهادة والرواية وهو الذي حكاه القاضي أبو بكر الباقلاني عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم.

والثاني الاكتفاء بواحد في الشهادة والرواية معا ، وهو اختيار القاضي أبي بكر المذكور; لأن التزكية بمثابة الخبر قال القاضي : والذي يوجبه القياس وجوب قبول تزكية كل عدل مرضي ، ذكر ، أو أنثى ، حر أو عبد ، لشاهد ومخبر.

والثالث التفرقة بين الشهادة والرواية ، فيشترط اثنان في الشهادة ويكتفى بواحد في الرواية ورجحه الإمام فخر الدين ، والسيف الآمدي ونقله عن الأكثرين وكذلك نقله أبو عمرو بن الحاجب عن الأكثرين ، وهو مخالف لما نقله القاضي عنهم قال ابن الصلاح : والصحيح الذي اختاره الخطيب وغيره أنه يثبت في الرواية بواحد; لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر ، فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادات .

وقولي: ( بالواحد ) أي بالعدل الواحد ، فيدخل فيه تعديل المرأة العدل ، والعبد العدل.

وقد اختلفوا في تعديل المرأة ، فحكى القاضي أبو بكر عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم أنه لا يقبل في التعديل النساء ، لا في الرواية ، ولا في الشهادة. واختار القاضي أنه يقبل تزكية المرأة مطلقا في الرواية والشهادة; إلا تزكيتها في الحكم الذي لا [ ص: 330 ] تقبل شهادتها فيه وأطلق صاحب المحصول وغيره قبول تزكية المرأة من غير تقييد بما ذكره القاضي .

وأما تزكية العبد ، فقال القاضي أبو بكر إنه يجب قبولها في الخبر دون الشهادة; لأن خبره مقبول ، وشهادته مردودة. قال: والذي يوجبه القياس وجوب قبول تزكية كل عدل مرضي ، ذكر ، أو أنثى ، حر ، أو عبد لشاهد ومخبر. وهذا ما صرح به صاحب المحصول . وغيره. قال الخطيب في “ الكفاية “: الأصل في هذا الباب سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - بريرة في قصة الإفك عن حال عائشة أم المؤمنين ، وجوابها له.




الخدمات العلمية