الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الوصية بالثلث والربع

                                                                                                          975 حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن سعد بن مالك قال عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض فقال أوصيت قلت نعم قال بكم قلت بمالي كله في سبيل الله قال فما تركت لولدك قلت هم أغنياء بخير قال أوص بالعشر فما زلت أناقصه حتى قال أوص بالثلث والثلث كثير قال أبو عبد الرحمن ونحن نستحب أن ينقص من الثلث لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم والثلث كثير قال وفي الباب عن ابن عباس قال أبو عيسى حديث سعد حديث حسن صحيح وقد روي عنه من غير وجه وقد روي عنه والثلث كبير والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون أن يوصي الرجل بأكثر من الثلث ويستحبون أن ينقص من الثلث قال سفيان الثوري كانوا يستحبون في الوصية الخمس دون الربع والربع دون الثلث ومن أوصى بالثلث فلم يترك شيئا ولا يجوز له إلا الثلث

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( هم أغنياء بخير ) قال في مجمع البحار : قوله بخير خبر بعد خبر أو صفة ( أغنياء ) قوله : ( فما زلت أناقصه ) قال في مجمع البحار : أي : أراجعه في النقصان أي : أعد ما ذكره ناقصا ، ولو روي بضاد معجمة لكان من المناقضة انتهى . قلت : في جميع النسخ الحاضرة أناقص بالصاد المهملة ، وأورد الشيخ ولي الدين هذا الحديث في المشكاة ، وفيه أيضا بالصاد المهملة لكن قال القاري في المرقاة : وفي نسخة بالمعجمة ، وقال فيه نقلا عن ابن الملك أي : قال سعد : فما زلت أناقض النبي صلى الله عليه وسلم من المناقضة أي : ينقض عليه الصلاة والسلام قولي ، وأنقض قوله أراد به : المراجعة حرصا على الزيادة ، وروي بالصاد المهملة من النقصان . انتهى ما في المرقاة ، قلت وقع في رواية للنسائي : " أوص بالعشر " فما زال يقول ، وأقول حتى قال " أوص بالثلث " إلخ ، وقال الجزري في النهاية في حديث صوم التطوع فناقضني وناقضته أي : ينقض قولي وأنقض قوله من نقض البناء أراد به المراجعة والمرادة انتهى ( والثلث كبير ) وقع في رواية البخاري " كثير " بالمثلثة . قال الحافظ في الفتح : كذا في أكثر الروايات ، ومعناه كثير بالنسبة إلى ما دونه . قال : ويحتمل أن يكون قوله ( والثلث كثير ) مسوقا لبيان الجواز بالثلث ، وأن الأولى أن ينقص عنه ، ولا يزيد عليه ، وهو ما يبتدره الفهم ، ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدق بالثلث هو الأكمل أي : كثير أجره ، ويحتمل أن يكون معناه كثير غير قليل ، قال الشافعي رحمه الله : وهذا أولى معانيه يعني : أن الكثرة أمر نسبي وعلى الأول عول ابن عباس انتهى ، قلت المراد بالأول الاحتمال الأول ، وهو أن قوله : والثلث كثير مسوق لبيان الجواز ، وأن الأولى أن ينقص عنه ، روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال : لو غض الناس إلى الربع ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الثلث [ ص: 44 ] والثلث كبير أو كثير " ، قال الحافظ في الفتح : قوله لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو كالتعليل لما اختاره من النقصان عن الثلث ، وكأن ابن عباس أخذ ذلك من وصفه صلى الله عليه وسلم الثلث بالكثرة انتهى ( قال أبو عبد الرحمن : فنحن نستحب أن ينتقص من الثلث ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : والثلث كبير ) يعني : لوصفه صلى الله عليه وسلم الثلث بالكثرة ، وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنه كما عرفت آنفا ، وقال النووي في شرح مسلم : إن كان الورثة فقراء استحب أن ينقص منه ، وإن كانوا أغنياء فلا .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن ابن عباس ) أخرجه البخاري ومسلم ، وتقدم لفظه .

                                                                                                          قوله : ( حديث سعد حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري ومسلم .

                                                                                                          قوله : ( وقد روي عنه كبير ) أي : بالموحدة ( ويروى كثير ) أي : بالمثلثة .

                                                                                                          قوله : ( والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون أن يوصي الرجل بأكثر من الثلث ) قال العيني في شرح البخاري : إذا أوصى المسلم بأكثر من ثلث ماله فإن لم يكن له ورثة جاز ، وإن كان له ورثة ، فإن أجازوا جازت الوصية ، وإن ردوا بطلت الوصية ، وقال مالك والشافعي وأحمد : لا يجوز إلا في الثلث ويوضع الثلثان لبيت المال انتهى ( ويستحبون أن ينقص من الثلث ، وقال سفيان الثوري : كانوا يستحبون في الوصية الخمس دون الربع والربع دون الثلث إلخ ) قال العيني في شرح البخاري : اعلم أن الإجماع قائم على أن الوصية بالثلث جائزة ، وأوصى الزبير رضي الله عنه بالثلث ، واختلف العلماء في القدر الذي تجوز الوصية به ؛ هل هو الخمس أو السدس أو الربع ، فعن أبي بكر رضي الله عنه أنه أوصى بالخمس ، وقال : إن الله تعالى رضي من غنائم المؤمنين بالخمس ، وقال معمر عن قتادة : أوصى عمر رضي الله عنه بالربع ، وقال إسحاق : السنة الربع كما [ ص: 45 ] روي عن ابن عباس ، وروي عن علي رضي الله عنه : لأن أوصي بالخمس أحب إلي من الربع ، ولأن أوصي بالربع أحب إلي من الثلث ، واختار آخرون السدس ، وقال ابراهيم : كانوا يكرهون أن يوصوا مثل نصيب أحد الورثة حتى يكون أقل ، وكان السدس أحب إليهم من الثلث ، واختار آخرون العشر ، واختار آخرون لمن كان ماله قليلا ، وله وارث ترك الوصية ، روي ذلك عن علي وابن عباس وعائشة ، وفي التوضيح : وقام الإجماع من الفقهاء أنه : لا يجوز لأحد أن يوصي بأكثر من الثلث إلا أبا حنيفة وأصحابه وشريك بن عبد الله ، قال العيني : هو قول ابن مسعود وعبيدة ومسروق وإسحاق ، وقال زيد بن ثابت : لا يجوز لأحد أن يوصي بأكثر من ثلثه ، وإن لم يكن له وارث ، وهو قول مالك ، والأوزاعي ، والحسن بن حيي ، والشافعي انتهى كلام العيني .




                                                                                                          الخدمات العلمية