الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مثل التائب

مثل التائب مثل عبد للملك أبق منه فصار إلى بلد من البلدان فوجد الملك عليه وجدا شديدا بكفرانه بنعيمه وذهابه بالرقبة وإيثاره النهمة على الكون بين يديه من الخدمة وسقط من عينه

فلما افتقد العبد عز القربة وشرف الخدمة وحلاوة القيام وافتقد مرافقه وغلبه العجز والشعوثة والكدرة والعناء في طلب المعيشة وحالة البؤس والفقر من تلك المرافق ورخاء العيش ندم على ما كان منه لما حل به ولم يدع شقاوة نفسه أن يرجع بنفسه إلى مولاه

[ ص: 335 ] وقد علم الملك بما أصابه وبما ندم فبعث إليه بكسوة وراحلة وكتب كتابا أن ارجع إلينا فلك عندنا ما كان لك فارتحل عن وطنه ذلك راجعا إلى الملك فكلما مر بمصر وقرية فيها نزهة مكث أياما وقضى نهمه 95 ثم يرتحل فيهجم على أخرى مثلها فمكث هناك ثم يرتحل والملك ينتظر وصوله وهو يتباطأ إلى اقتضاء الأوطار والمنى

فبينما هو كذلك إذ بعث الملك قاصدا فأخذه وقيده وسجنه هناك في بعض السجون إلى يوم يدعوه للمعاتبة والحساب يوم موقت بذهاب العلة

وعبد آخر قصته هذه القصة فلما ارتحل من مبتدإ أمره لا يسرع إلا إلى ما لا بد له منه وقطع البلدان والمفاوز والبحور والجبال والآكام لا ينام ولا ينيم كلما ازداد قربا بحضرة الملك اهتاج سيرا وجدا حتى وصل باب الملك فأقيم بالباب فنزل وأشير له إلى مكان يحط رحله ففعل وبقي هناك مدة ليتزين ويتأدب ويعتاد ويتوقر ولتزول عنه الخفة والاستبداد والعجلة ويلبس أثواب الخدم ويتهيأ للخدمة تهيؤا يصلح له بين يدي [ ص: 336 ] الملك فلا يزال هكذا في مدة طويلة حتى يرفع الستر ويؤذن له بالدخول بين يديه فهو ما دام يفكر ما فعل يأخذه بما صنع بالإباق حتى لا يدري ما يصنع من الحياء

فإذا علم الملك من حاله أنه يستحي من ذلك بسط له بسطا وبره برا ولم يذكر له شيئا مما صنع وقبله وولاه ولاية سنية وخلع عليه خلعا يظهر عنده أن الملك ممن قد رضي عنه رضا لا يسخط بعده وعاد كما كان في محله ومرتبته وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الشرع (التائب من الذنب كمن لا ذنب له

التالي السابق


الخدمات العلمية