الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء


              [ ص: 5 ] 457 - أحمد بن أبي الحواري

              ومنهم الزاهد في السراري النابذ للجواري العابد في القفار والبراري أبو الحسن أحمد بن أبي الحواري .

              كان لفضول الدنيا قاليا ، وعن الملاذ ساليا ، وفي مكين الأحوال عاليا ، ولصحيح الآثار حاويا .

              حدثنا إسحاق بن أحمد بن علي ، ثنا إبراهيم بن يوسف ، ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : قلت لأبي صفوان الرعيني : أي شيء الدنيا التي ذمها الله تعالى في القرآن الذي ينبغي للعاقل أن يجتنبها ؟ قال : " كلما أصبت فيها تريد به الدنيا فهو مذموم ، وكلما أصبت فيها تريد به الآخرة فليس منها ، قال أحمد : فحدثت به مروان فقال : الفقه على ما قال أبو صفوان " .

              حدثنا إسحاق بن أحمد ، ثنا إبراهيم ، ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : " قلت لراهب في دير حرملة وأشرف علي من صومعته فقلت : يا راهب ، ما اسمك ؟ قال : جريج ، قلت : ما يحبسك في هذه الصومعة ؟ قال : حبست فيها عن شهوات الدنيا ، قلت : أما كان يستقيم أن تذهب معنا هاهنا في الأرض وتجيء وتمنع نفسك الشهوات ؟ قال : هيهات هذا الذي تصف أنت في قوة ، وأنا في ضعف ؛ فحلت بين نفسي وبينها ، قلت : ولم تفعل ذلك ؟ قال : نجد في كتبنا أن بدن ابن آدم خلق من الأرض وروحه خلق من ملكوت السماء ، فإذا أجاع بدنه وأعراه وأسهره نازع الروح إلى الموضع الذي خرج منه ، وإذا أطعمه وسقاه ونومه وأراحه أخلد البدن إلى الموضع الذي خرج منه فلم يكن شيء أحب إليه من الدنيا ، قلت له : فإذا فعل هذا تعجل له في الدنيا الثواب ؟ قال : نعم ، نورا يرى به ، قال أحمد : فحدثت به أبا سليمان فقال : قاتله الله ما أعجبه إنهم ليصفون " .

              حدثنا إسحاق ، ثنا إبراهيم ، ثنا أحمد قال : سمعت أبي يقول : " يا بني من كانت نيته في العافية ملأ الله حضنه العافية " .

              حدثنا إسحاق ، ثنا إبراهيم ، ثنا أحمد قال : سمعت أبا سليمان يقول : " السالي [ ص: 6 ] عن الشهوات هو راض ، والرضا عن الله عز وجل ، والرحمة للخلق درجة المرسلين " .

              حدثنا إسحاق ، ثنا إبراهيم ، ثنا أحمد قال : كنت إذا شكوت إلى أبي سليمان قساوة قلبي أو شيئا قد نمت عنه من حزبي أو غير ذلك قال : بما كسبت يداك ، وما الله بظلام للعبيد ، شهوة أصبتها . وقال لي أبو سليمان : " يكون فوق الصبر منزلة ؟ قلت : نعم . قال : فانتفض ثم قال لي : إذا كان الصابرون يعطون أجرهم بغير حساب فكيف يعطون الآخرون ؟ " .

              حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ ثنا سعيد بن عبد العزيز الحلبي قال : سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول : " من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحب لها أخرج الله نور اليقين والزهد من قلبه .

              حدثنا محمد بن الحسين بن موسى قال : سمعت محمد بن جعفر بن مطر يقول : سمعت إبراهيم بن يوسف يقول : " رمى أحمد بن أبي الحواري بكتبه فقال : نعم الدليل كنت ، والاشتغال بالدليل بعد الوصول محال " .

              حدثنا محمد بن الحسين قال : سمعت محمد بن عبد الله الطبري يقول : سمعت يوسف بن الحسين يقول : " طلب أحمد بن أبي الحواري العلم ثلاثين سنة ، فلما بلغ الغاية حمل كتبه إلى البحر فغرقها وقال : يا علم ، لم أفعل هذا بك تهاونا بك ، ولا استخفافا بحقك ، ولكن كنت أطلبك لأهتدي بك إلى ربي فلما اهتديت بك إلى ربي استغنيت عنك " .

              حدثنا محمد بن الحسين قال : سمعت أبي يقول : قال إبراهيم بن شيبان ، يحكي عن أحمد بن أبي الحواري قال : " لا دليل على الله سواه ، وإنما يطلب العلم لآداب الخدمة " .

              سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن عبد العزيز الرازي المذكر يقول : سمعت أبا عمرو البيكندي يقول : " لما فرغ أحمد بن أبي الحواري من التعليم جلس للناس فخطر بقلبه ذات يوم خاطر من قبل الحق ، فحمل كتبه إلى شط الفرات فجلس يبكي ساعة طويلة ، ثم قال : نعم الدليل كنت لي على ربي ، ولكن [ ص: 7 ] لما ظفرت بالمدلول كان الاشتغال بالدليل محالا ، فغسل كتبه بالفرات " .

              حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن حمدان الرازي النيسابوري ، ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله النيسابوري حفيد العباس بن حمزة ثنا جدي العباس بن حمزة قال : قال أحمد بن أبي الحواري : سمعت عتبة بن أبي السائب يقول : " ثلاث هن أخذة للمتعبد : المرض والحج والتزويج فمن ثبت بعدهن فقد ثبت " .

              حدثنا أبو أحمد ، ثنا محمد ، ثنا جدي العباس قال : قال أحمد بن أبي الحواري : سمعت بشر بن السري يقول : " ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغضه حبيبك " قال أحمد : وعلامة حب الله حب طاعة الله ، وقيل : حب ذكر الله فإذا أحب الله العبد أحبه ، ولا يستطيع العبد أن يحب الله حتى يكون الابتداء منه بالحب له ، وذلك حين عرف منة الاجتهاد في مرضاته . قال أحمد : ومن عرف الدنيا زهد فيها ، ومن عرف الآخرة رغب فيها ، ومن عرف الله آثر رضاه ، ومن لم يعرف نفسه فهو من دينه في غرور ، وقال أحمد : إذا حدثتك نفسك بترك الدنيا عند إدبارها فهو خدعة ، وإذا حدثتك نفسك بتركها عند إقبالها فذاك " .

              حدثنا محمد بن جعفر بن يوسف ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حاتم ، ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت أبا زكريا يحيى بن العلاء يقول : " إذا قرأ ابن آدم القرآن ، ثم خلط ، ثم عاد يقرأ يقول الله : " ما لك ولكلامي ؟ " .

              حدثنا محمد ، ثنا عبد الله ، ثنا أبو حاتم ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، ثنا يحيى بن زكريا قال : كنا عند علي بن بكار فمرت به سحابة فسألته عن شيء ، فقال : " اسكت أما تخشى أن يكون فيها حجارة ؟ "

              حدثنا محمد ، ثنا عبد الله ، ثنا أبو حاتم ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثني إسحاق بن خلف قال : " مر عيسى عليه السلام بثلاثة من الناس قد نحلت أبدانهم وتغيرت ألوانهم فقال : ما الذي بلغكم ما أرى ؟ قالوا : الخوف من النيران ، قال : مخلوقا خفتم ، وحقا على الله أن يؤمن الخائف ، قال : ثم جاوزهم إلى ثلاثة أخرى فإذا هم أشد تغير ألوان وأشد نحول أبدان ، فقال : ما الذي بلغكم ما أرى ؟ قالوا : الشوق إلى الجنان ، فقال : مخلوقا اشتقتم وحقا على [ ص: 8 ] الله أن يعطيكم ما رجوتم ، ثم جاوزهم إلى ثلاثة أخرى فإذا هم أشد نحول أبدان وأشد تغير ألوان كأن على وجوههم المرآة من النور ، فقال : ما الذي بلغكم ما أرى ؟ قالوا : الحب لله ، قال : أنتم المقربون أنتم المقربون " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية