الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 115 ] درس ( باب ) ( المباح ) حال الاختيار أكلا أو شربا ( طعام طاهر ) لم يتعلق به حق للغير وتقدم بيان الطاهر أول الكتاب ( والبحري ) بأنواعه ، ولو آدميه وخنزيره ( وإن ميتا وطير ) بجميع أنواعه ( ولو ) كان ( جلالة ) أي مستعملا للنجاسة والجلالة لغة البقرة التي تستعمل النجاسة والفقهاء يستعملونها في كل حيوان يستعملها ( و ) لو ( ذا مخلب ) بكسر الميم كالباز والعقاب والرخم ، وهو للطائر والسبع بمنزلة الظفر للإنسان إلا الوطواط فيكره أكله على الراجح ( ونعم ) إبل وبقر وغنم ، ولو جلالة ( ووحش لم يفترس ) كغزال وحمر وحش ، ويأتي حكم المفترس ، والافتراس عام فيما يفترس الإنسان وغيره ، والعداء خاص بما يعدو على الآدمي فلذا لم يقل لم يعد ( كيربوع ) هو ، وما بعده تمثيل ، ويحتمل التشبيه بناء على أن مراده بالوحش ما كان كبقر وغزال واليربوع دابة قدر بنت عرس رجلاها أطول من يديها ( وخلد ) مثلث المعجمة مع سكون اللام ، وفتحها فأر أعمى لا يصل للنجاسة أعطي من الحس ما يغني عن البصر ، وكذا الفأر المعهود مباح حيث لا يصل للنجاسة ، وما يصل إليها كفأر البيوت يكره على المشهور فإن شك في وصوله لها لم يكره ( ووبر ) بفتح الواو وسكون الباء ، وقيل بفتحها أيضا فوق اليربوع ودون السنور طحلاء اللون أي لونها بين البياض والغبرة ( وأرنب ، وقنفذ ) بضم القاف مع ضم الفاء ، وفتحها آخره ذال معجمة أكبر من الفأر كله شوك إلا رأسه وبطنه ويديه ورجليه ( وضربوب ) بضم الضاد المعجمة وسكون الراء كالقنفذ في الشوك إلا أنه قريب من خلقة الشاة ( وحية أمن سمها ) إن ذكيت بحلقها كما لأبي الحسن ، وأمن سمها بالنسبة لمستعملها فيجوز أكلها بسمها لمن ينفعه ذلك لمرض ( وخشاش أرض ) بالرفع عطف على طعام ، وكذا ما بعده أي والمباح خشاش أرض مثلث الأول والكسر أفصح كعقرب وخنفساء وبنات وردان وجندب ونمل ودود وسوس ( ، وعصير ) أي معصور ماء العنب أول عصره ( ، وفقاع ) شراب يتخذ من القمح والتمر ( وسوبيا ) شراب يميل إلى الحموضة بما يضاف إليه من عجوة ونحوها ( ، وعقيد ) ، وهو ماء العنب يغلى على النار حتى ينعقد ، ويذهب إسكاره يسمى بالرب الصامت ( أمن سكره ) أي ما ذكر مما بعد العصير ، وأما هو فلا يتصور فيه سكر ( و ) المباح ما أذن فيه ، وإن كان قد يجب ( للضرورة ) ، وهي الخوف على النفس من الهلاك علما أو ظنا ( ما يسد ) الرمق ، وظاهره أنه لا يجوز له الشبع والمعتمد أن له أن يشبع ، ويتزود من الميتة فإذا استغنى عنها طرحها كما في الرسالة ( غير آدمي ) بالرفع بدل من ما وبالنصب على الحال منها ( و ) غير ( خمر ) من الأشربة ، ودخل في غيرهما الدم والعذرة [ ص: 116 ] وضالة الإبل ، نعم تقدم الميتة عليها ، وأما الآدمي فلا يجوز تناوله ، وكذا الخمر ( إلا لغصة ) فيجوز إزالتها به عند عدم ما يسيغها به من غيره ( وقدم ) وجوبا ( الميت ) من غير الخنزير ( على خنزير ) عند اجتماعهما ; لأنه حرام لذاته وحرمة الميتة عارضة ( و ) على ( صيد لمحرم ) أي صاده محرم أو عان عليه ووجده حيا بدليل قوله إلا لحمه ، وهذا إن كان المضطر محرما فإن كان حلالا قدم صيد المحرم على الميتة قال الباجي من وجد ميتة وصيدا ، وهو محرم أكل الميتة ، ولم يذك الصيد ( لا لحمه ) أي لا يقدم المحرم المضطر الميتة على لحم صيد صاده محرم آخر أو صيد له بأن وجده بعد ما ذبح بل يقدم لحم الصيد على الميتة ( و ) لا يقدم الميتة على ( طعام غير ) بل يقدم ندبا طعام الغير على الميتة ( إن لم يخف القطع ) أو الضرب أو الأذى وإلا قدم الميتة ( وقاتل ) المضطر جوازا رب الطعام إن امتنع من دفعه له ( عليه ) أي على أخذه بعد أن يعلم ربه [ ص: 117 ] ولو مسلما أنه إن لم يعطه قاتله فإن قتل ربه فهدر .

[ ص: 115 ]

التالي السابق


[ ص: 115 ] باب المباح ) ( قوله : حال الاختيار ) أي المباح تناوله حال الاختيار من جهة الأكل أو الشرب ، وقدر الشارح ذلك لأجل عطف قول المصنف الآتي وللضرورة ما يسد إلخ عليه ( قوله : لم يتعلق إلخ ) أخرج المغصوب فإنه ، وإن كان ظاهرا لكنه غير مباح لتعلق حق المالك به ، والأولى إسقاط هذا القيد ; لأن المقصود بيان المباح في نفسه لا المباح باعتبار شخص معين والمغصوب مباح في ذاته وحرمته عارضة . ا هـ . بن ( قوله : مستعملا للنجاسة ) أي كالرخم فإنها تأكل العذرة ( قوله : إلا الوطواط ) استثناء من قول المصنف وطير ( قوله : فلذا لم يقل إلخ ) أي ، ولو عبر به ما صح ، وذلك ; لأن الذي لا يعدو ، وقد يكون مفترسا فيقتضي إباحته ، وليس كذلك ( قوله : بناء ) أي فليس مراده بالوحش مطلق وحش بل نوع منه ، وقد يقال لا مانع من إرادة مطلق الوحش ، ويكون من تشبيه الخاص بالعام كذا قيل ، وفيه أن الأخصية تقتضي التمثيل لا التشبيه ( قوله : يكره على المشهور إلخ ) فيه نظر والذي في كتاب الطهارة من التوضيح أن في الفأر والوطواط ثلاثة أقوال ، وأن القول بالتحريم هو المشهور ونقله ، وذكر عن ابن رشد أيضا أنه استظهر التحريم . ا هـ . بن وقوله أن في الفأر ظاهره مطلقا سواء كان يصل للنجاسة أو لا ، وأما بنت عرس فذكر الشيخ عبد الرحمن الأجهوري أنه يحرم أكلها ; لأن كل من أكلها عمي أي فحرمتها عارضة ، وقضيته أنها تحل للأعمى وانظره . ا هـ . شيخنا عدوي ( قوله : سمها ) بفتح السين وضمها ، وكسرها والفتح أفصح وجمعه سمام وسموم . ا هـ . عدوي ( قوله : إن ذكيت إلخ ) الذي يفيده كلام أهل المذهب أنه لا بد في الذكاة التي يؤمن بها السم أن تكون في حلقها ، وفي قدر خاص من ذنبها بأن يترك قدر أربعة قراريط من ذنبها ورأسها ، ولا بد أن تطرح حال ذكاتها على ظهرها ، وأما لو طرحت على بطنها ، وقطع حلقها فلا يجزي ; لأن شرط الذكاة أن تكون من المقدم . انتهى خش ( قوله : وأمن سمها ) أي واعتبار أمن سمها بالنسبة إلخ ، وقوله فيجوز أكلها بسمها لمن يضره ذلك أي كمن به داء الجذام أي ، ولا يجوز أكلها بسمها لمن يضره ذلك ( قوله : وخشاش أرض ) أضيف لها ; لأنه يخش أي يدخل فيها ، ولا يخرج منها إلا بمخرج ، ويبادر برجوعه إليها ( قوله : بالرفع عطف على طعام ) أي لا بالجر عطفا على يربوع ; لأنه ليس من أمثلة الوحش الذي لم يفترس .

واعلم أن الخشاش ، وإن كان مباحا ، وميتة طاهرة لكنه يفتقر أكله لذكاة كما تقدم ( قوله : شراب يميل إلى الحموضة ) أي يتخذ من القمح أو من الأرز ( قوله : ويذهب إسكاره ) أي الذي يحصل فيه عند غليانه على النار قبل انعقاده لا أنه كان فيه ابتداء . ( قوله : فلا يتصور فيه سكر ) أي حتى تقيد إباحته بالأمن من سكره ( قوله : وللضرورة ما يسد الرمق ) [ ص: 116 ] أي ما يحفظ الحياة فالمراد بالرمق الحياة وبسدها حفظها قال المواق انظر هذا فإنه مذهب أبي حنيفة والشافعي ، ولم يعزه أبو محمد لأحد من أهل المذهب ونص الموطإ .

ومن أحسن ما سمعت في الرجل يضطر إلى الميتة أنه يأكل منها حتى يشبع ، ويتزود منها فإن وجد عنها غنى طرحها . ا هـ . وبه تعلم أن عزو تت وخش ما ذكره المصنف لمالك فيه نظر . ا هـ . بن لكن ابن ناجي في شرح الرسالة نقل عن عياض أن عبد الوهاب نقله رواية عن مالك وحينئذ فلا نظر ، وتناول قوله وللضرورة ما يسد المتلبس بالمعصية كما هو مختار ابن يونس وشهره القرافي خلافا لمن قال لا يباح له تناول الميتة وتمسك بظاهر قوله تعالى { فمن اضطر غير باغ ولا عاد } { فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم } ، وأجاب المشهور بأن المراد غير باغ في نفس الضرورة بأن يتجانف ، ويميل في الباطن لشهوته ، ويتمسك في الظاهر بالضرورة كأنه قيل فمن اضطر اضطرارا صادقا فإذا عصى في نفس السبب المبيح كأن كذب في الضرورة وبغى وتعدى فيها وتجانف الإثم كانت كالعدم .

( قوله : وضالة الإبل ) ودخل أيضا جميع الحيوانات الميتة ( قوله : نعم تقدم الميتة عليها ) أي على ضالة الإبل عند اجتماعهما ، ويعلم منه أن ضالة الإبل تتعين عند انفرادها وتقدم عليها الميتة عند اجتماعهما ، وهذا ما يفيده نقل المواق عن ابن القاسم ( قوله : وأما الآدمي فلا يجوز تناوله ) أي سواء كان حيا أو ميتا ، ولو مات المضطر هذا هو المنصوص لأهل المذهب وتقدم آخر الجنائز أن بعضهم صحح أكله للمضطر إذا كان ميتا ، ولا فرق بين المسلم والكافر فيما ذكر ( قوله : عند عدم ما يسيغها به ) ، ويصدق في أنه فعل ذلك للغصة إن كان مأمونا ، وإلا فلا إلا لقرينة فيعمل عليها . ا هـ . خش ( قوله : على خنزير ) أي سواء كان ذلك الخنزير حيا أو ميتا انظر بن ( قوله : وصيد لمحرم ) المراد بالصيد هنا المصيد يعني الحي بدليل قوله إلا لحمه ، وأما الاصطياد فهو أحرى بتقديم الميتة عليه ، وحاصل كلام المصنف أن المضطر إذا كان محرما ووجد ميتة وصيدا حيا صاده محرم أو أعان على صيده فإنه يجب عليه أن يقدم الميتة على الصيد الحي الذي صاده المحرم أو أعانه عليه ، ومحله ما لم تكن الميتة متغيرة يخاف على نفسه من أكلها ، وإلا قدم الصيد المذكور انظر التوضيح .

كما أنه لو كان حلالا فإنه يقدم صيد المحرم عليها ( قوله : ولم يذك الصيد ) أي ; لأنه بذكاته يكون ميتة .

( قوله : لا لحمه ) أي إذا وجد المضطر المحرم ميتة وصيدا قد صاده محرم أو صيد له وصار لحما فلا يقدم الميتة عليه بل يقدمه عليها ، وعلم مما ذكرنا أن الصور ثلاث الأولى الاصطياد تقدم الميتة عليه لما فيه من حرمة الاصطياد وحرمة ذبح الصيد . الثانية الصيد الحي الذي صاده المحرم قبل اضطراره تقدم الميتة أيضا عليه ، ولا يجوز له ذبحه ; لأنه إذا ذبحه صار ميتة فلا فائدة في ارتكاب هذا المحرم . الثالثة إذا كان عنده صيد صاده هو أو غيره لمحرم ، وذبح قبل اضطراره فهذا مقدم على الميتة ، ولا تقدم الميتة عليه ; لأن لحم صيد المحرم وحرمته عارضة ; لأنها خاصة بالإحرام بخلاف الميتة فحرمتها أصلية ، وهذه الصورة هي المشار لها بقوله لا لحمه هذا أحسن ما يقرر به كلامه . ( قوله : بل يقدم ) أي طعام الغير ندبا على الميتة هذا عند اجتماعهما ، وأما عند الانفراد فيتعين ما وجد ، قال في الذخيرة وإذا أكل مال مسلم اقتصر على سد الرمق إلا أن يعلم طول الطريق فليتزود ; لأن مواساته تجب إذا جاع واعلم أن اشتراط عدم خوف القطع إنما هو إذا وجد الميتة ، وإلا أكله ، ولو خاف القطع كما في عج ; لأن حفظ النفوس مقدم على حفظ العضو خلافا لما في عبق وحيث أكل طعام الغير فلا يضمن قيمته كما نقله المواق عن الأكثر ، وقال ابن الجلاب يضمن ، ومحل الخلاف إذا كان المضطر معدما وقت الأكل أما إن وجد معه الثمن أخذ كما مر ( قوله : إن لم يخف القطع ) أي فيما في سرقته القطع كتمر الجرين وغنم المراح ، وقوله أو الضرب أو الأذى فيما لا قطع في سرقته . فإن قلت المضطر إذا ثبت اضطراره لا يقطع ، ولا يضرب ، ولو كان معه ميتة فكيف يخاف القطع - [ ص: 117 ] قلت القطع قد يكون بالتغلب والظلم ( قوله : ولو مسلما ) أي ، ولو كان ربه المقاتل بفتح التاء مسلما .




الخدمات العلمية