الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 695 ] بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الماعون

وهي مكية بلا خلاف علمته، وقال الثعلبي : هي مدنية.

قوله عز وجل:

أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون

هذا توقيف وتنبيه لتذكر نفس السامع كل من يعرفه بهذه الصفة، وهمز أبو عمرو "أرأيت" -بخلاف عنه-، ولم يهمزها نافع وغيره. و"الدين": الجزاء ثوابا وعقابا، والحساب هنا قريب من الجزاء.

ثم قال تعالى: فذلك الذي يدع اليتيم أي: راقب فيه هذه الخلال السيئة تجدها، و"دع اليتيم": دفعه بعنف، وذلك إما أن يكون المعنى: عن إطعامه والإحسان إليه، وإما أن يكون: عن حقه وماله، فهذا أشد، وقرأ أبو رجاء : "يدع" بفتح الدال خفيف، بمعنى: لا يحسن إليه، وقوله تعالى: ولا يحض على طعام المسكين أي لا يأمر بصدقة، ولا يرى ذلك صوابا.

ويروى أن هذه السورة نزلت في بعض المضطرين في الإسلام بمكة الذين لم يحققوا فيه، وفتنوا فافتتنوا، وكانوا على هذا الخلق من الغشم وغلظ العشرة والفظاظة على المساكين، وربما كان بعضهم يصلي أحيانا مع المسلمين مدافعة وحيرة، فقال الله تعالى فيهم فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ، وقال ابن جريج : كان أبو سفيان ينحر كل أسبوع جزورا فجاءه يتيم فقرعه بعصا، فنزلت السورة فيه، [ ص: 696 ] قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون، قال: "هم الذين يؤخرونها عن وقتها"، يريد صلى الله عليه وسلم -والله تعالى أعلم- تأخير ترك وإهمال، وإلى هذا نحا مجاهد ، وقال قتادة "ساهون"، هم التاركون لها، أو هم الغافلون الذين لا يبالي أحدهم صلى أم لم يصل، وقال عطاء بن يسار : الحمد لله الذي قال "عن صلاتهم"، ولم يقل: "في صلاتهم"، وفي قراءة ابن مسعود : "لاهون" بدل "ساهون".

وفي قوله تعالى: الذين هم يراءون بيان أن صلاة هؤلاء ليست لله تعالى بينة إيمان، وإنما هي رياء للبشر، فلا قبول لها، وقرأ ابن أبي إسحاق ، وأبو الأشهب : "يرؤن" مهموزة مقصورة مشددة الهمزة، وروى ابن أبي إسحاق : "يرؤن" بغير شد في الهمزة.

وقوله تعالى: ويمنعون الماعون وصف لهم بقلة النفع لعباد الله، وتلك شر خلة، وقال علي بن أبي طالب وابن عمر رضي الله عنهم: الماعون: الزكاة، قال الراعي:


قوم على الإسلام لما يمنعوا ماعونهم ويضيعوا التهليلا



[ ص: 697 ] وقال ابن مسعود رضي الله عنه: هو ما يتعاطاه الناس بينهم كالفأس والدلو والآنية والمقص ونحوه، وقاله الحسن، وقتادة ، وابن الحنفية ، وابن زيد ، والضحاك ، وابن عباس ، وقال ابن المسيب : الماعون -بلغة قريش- المال، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ فقال: "الماء والنار والملح"، روته عائشة رضي الله عنها، وفي بعض الطرق زيادة " "والإبرة والخمير"، وحكى الفراء عن بعض العرب أن الماعون الماء، وقال ابن مسعود : كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية القدر والدلو ونحوها.

كمل تفسير سورة [الماعون] والحمد لله رب العالمين.

التالي السابق


الخدمات العلمية