الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 514 ] ثم دخلت سنة سبع وتسعين وثلاثمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها كان خروج أبي ركوة على الحاكم العبيدي صاحب مصر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وملخص أمر هذا الرجل : أنه كان من سلالة هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي ، واسمه الوليد ، وإنما لقب بأبي ركوة ; لركوة كان يستصحبها في أسفاره على طريق الصوفية ، وقد كان سمع الحديث بالديار المصرية ، ثم أقام بمكة ، ثم باليمن ، ثم دخل الشام وهو في غبون هذا كله يبايع من انقاد له ، ممن يرى عنده همة ونهضة للقائم من ولد هشام بن عبد الملك الأموي ، ثم إنه أقام ببعض بلاد مصر في حلة من حلال العرب ، يعلم الصبيان ، ويظهر النسك والتقشف والعبادة والورع ، ويخبر بشيء من المغيبات ، حتى خضعوا له وعظموه جدا ، ثم دعا إلى نفسه ، وذكر لهم أنه الذي يدعو إليه من الأمويين ، فاستجابوا له وخضعوا ، وخاطبوه بأمير المؤمنين ، ولقب بالثائر بأمر الله المنتصر من أعداء الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ودخل برقة في جحفل ، فجمع له أهلها نحوا من مائتي ألف دينار ، وأخذ رجلا من اليهود اتهم بشيء من الودائع فأخذ منه مائتي ألف دينار أيضا ، ونقشوا الدراهم والدنانير بألقابه ، وخطب بالناس يوم الجمعة ، ولعن الحاكم في خطبته - ونعما فعل - فالتف على أبي ركوة من الجنود نحو من ستة عشر ألفا ، [ ص: 515 ] فلما بلغ الحاكم أمره وما آل إليه حاله ، بعث بخمسمائة ألف دينار وخمسة آلاف ثوب من الحرير إلى مقدم جيوش أبي ركوة - وهو الفضل بن عبد الله - يستميله إليه ويثنيه عن أبي ركوة ، فحين وصلته الأموال من الحاكم ، رجع عن أبي ركوة ، وقال : إنا لا طاقة لنا بالحاكم ، وما دمت بين أظهرنا فنحن مطلوبون بسببك ، فاختر لنفسك بلدا تكون فيها . فسأل أن يبعثوا معه فارسين يوصلانه إلى النوبة فإن بينه وبين ملكها مودة وصحبة ، فأرسله ، ثم بعث وراءه من رده إلى الحاكم بمصر ، فلما وصل إليه أركبه جملا وأشهره ، ثم قتله في اليوم الثاني ، ثم أكرم الحاكم الفضل ، وأقطعه إقطاعات كثيرة . واتفق مرض الفضل ، فعاده الحاكم مرتين ، فلما عوفي قتله ، وألحقه بصاحبه أيضا ، وكافأه مكافأة التمساح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رمضان منها عزل قرواش عما كان بيده ووليه أبو الحسن علي بن مزيد ، ولقب بسند الدولة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها هزم يمين الدولة محمود بن سبكتكين أتلك ملك الترك عن بلاد خراسان وقتل من الأتراك خلقا كثيرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قتل أبو العباس بن واصل صاحب البصرة وحمل رأسه إلى بهاء الدولة ، فطيف به بخراسان وفارس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ثارت على الحجيج وهم بالطريق ريح سوداء مظلمة جدا ، واعترضهم [ ص: 516 ] ابن الجراح أمير الأعراب فاعتاقهم عن الذهاب ، ففاتهم الحج فرجعوا إلى بغداد فدخلوها في يوم التروية ، وكانت الخطبة بالحرمين للمصريين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية