الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            (كتاب العتق والتدبير وصحبة المماليك)

                                                            عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وأعتق عليه العبد وإلا عتق منه ما عتق وفي رواية لهما " فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه " وفي رواية للبخاري وجب عليه أن يعتقه كله إن كان له مال قدر ثمنه وفي رواية له فهو عتيق وفي رواية له فإن كان موسرا قوم عليه ثم يعتق

                                                            وقال مسلم ثم عتق ولهما عن أيوب قال: لا أدري قوله عتق منه ما عتق قولا من نافع أو في الحديث وكذا لمسلم عن يحيى بن سعيد زاد النسائي عن أيوب وأكثر ظني أنه شيء يقوله نافع من قبله. وقال الشافعي : إن مالكا أحفظ لحديث نافع من أيوب ولو استويا في الحفظ فشك أحدهما لا يغلط به الذي لم يشك. قال: وقد وافق مالكا في زيادة ذلك غيره وزاد بعضهم ورق منه ما رق. ا هـ. والذي تابع مالكا على زيادتها من غير شك عبيد الله بن عمر وجرير بن حازم كما في الصحيحين وكذلك إسماعيل بن أمية ويحيى بن سعيد وزاد الدارقطني والبيهقي من روايتهما ورواية عبيد الله بن عمر رق منه ما بقي وإسنادهما جيد وقول ابن حزم : إنها موضوعة مكذوبة لا نعلم أحدا رواها لا ثقة ولا ضعيفا، فمردود عليه، وكذا كلام الطحاوي في راويها إسماعيل بن مرزوق بقوله ليس ممن يقطع بروايته فقد ذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه غير واحد ولم أر أحدا ضعفه وباقي إسنادها ثقات. وللبيهقي إذا كان لرجل شريك في غلامه ثم أعتق نصيبه وهو حي أقيم عليه قيمة عدل في ماله ثم أعتق وفي رواية له تقوم عليه القيمة يوم العتق وليس ذلك عند الموت

                                                            وللنسائي من حديث ابن عمر وجابر من أعتق عبدا وله فيه شركاء وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمته لما أساء من مشاركتهم وليس على العبد شيء قال ابن عدي لا يروى قوله ليس على العبد شيء غير أبي معيد عن سليمان بن موسى . ا هـ.

                                                            وأبو معبد حفص بن غيلان وسليمان الأشدق وثقهما الجمهور وللشيخين من حديث أبي هريرة من أعتق شقيصا له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال فإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه لفظ مسلم وفي رواية له فإن لم يكن له مال قوم عليه العبد قيمة عدل ثم يستسعى في نصيب الذي لم يعتق غير مشقوق عليه .

                                                            وللنسائي واستسعى في قيمته لصاحبه .

                                                            وللبيهقي استسعى العبد في ثمن رقبته ، ولم يذكر مسلم في رواية الاستسعاء بل قال يضمن وقال البخاري فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال وإلا قوم عليه فاستسعى به غير مشقوق عليه وفي رواية له من أعتق شقيصا له في عبد أعتق كله إن كان له مال وفي رواية له من أعتق شقيصا من مملوكه فعليه خلاصه في ماله فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل فاستسعى غير مشقوق عليه وفي رواية للدارقطني والخطابي والبيهقي وفصل السعاية من الحديث وجعلها من قول قتادة ، وقد ذهب إلى أنها مدرجة في الحديث النسائي وابن المنذر وابن خزيمة وأبو علي النيسابوري والدارقطني والخطابي والبيهقي والله أعلم .

                                                            التالي السابق


                                                            (باب العتق والتدبير وصحبة المماليك)

                                                            (الحديث الأول)

                                                            عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه [ ص: 193 ] حصصهم وأعتق عليه العبد وإلا عتق منه ما عتق .

                                                            (فيه) فوائد:

                                                            (الأولى) أخرجه الأئمة الستة خلا الترمذي من هذا الوجه من طريق مالك وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي من طريق عبيد الله بن عمر بلفظ " فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه " وأخرجه الستة خلا ابن ماجه من طريق أيوب السختياني ولفظ البخاري فهو عتيق وفي رواية أيوب هذه قال نافع وإلا فقد عتق منه ما عتق قال أيوب لا أدري أشيء قاله نافع أو شيء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي لفظ لأبي داود وكان نافع ربما قال فقد عتق منه ما عتق وربما لم يقله وفي رواية النسائي وأكثر ظني أنه شيء يقوله نافع من قبله، وأخرجه البخاري من طريق موسى بن عقبة ذكره من فتوى ابن عمر قال في العبد أو الأمة وقال في آخره يخبر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيه وإلا عتق منه ما عتق وذكره [ ص: 194 ] البخاري تعليقا، وبين مسلم أنه ليس في روايته وإلا عتق منه ما عتق وذكره البخاري تعليقا ومسلم مسندا من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وليس فيه وإلا عتق منه ما عتق وأخرجه البخاري وأبو داود من طريق جويرية بن أسماء بدون هذه الزيادة أيضا. ولفظ البخاري فيه " وجب عليه أن يعتق كله إن كان له مال قدر ثمنه " ، ولم يسق أبو داود لفظه قال إنه بمعنى ملك وأخرجه البخاري تعليقا ومسلم وأبو داود والنسائي مسندا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري وبين مسلم أنه ذكر هذه الزيادة، وقال لا أدرى أهو شيء في الحديث أو قاله نافع من قبله كما فعل أيوب ولم يسق البخاري وأبو داود لفظه وأخرجه البخاري تعليقا ومسلم مسندا من طريق إسماعيل بن أمية بدون هذه الزيادة أيضا وأخرجه الشيخان من طريق جرير بن حازم بهذه الزيادة، وذكره البخاري تعليقا من طريق ابن إسحاق ولم يسق لفظه كلهم وهم أحد عشر عن نافع عن ابن عمر ورواه الدارقطني ومن طريقه البيهقي من طريق إسماعيل بن مرزوق الكعبي [ ص: 195 ] عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن عمر وإسماعيل بن أمية ويحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر فذكره وفيه وإلا عتق منه ما عتق ورق ما بقي قال الطحاوي إسماعيل بن مرزوق ليس ممن يقطع بروايته وشيخه يحيى الغافقي متكلم فيه ورد عليه والدي رحمه الله وقال إسنادها جيد وإسماعيل بن مرزوق ذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه غير واحد ولم أر أحدا ضعفه وهذا ليس بجرح فيه وأي نقد فرضته فهو لا يقطع بروايته ولكنه لما لم يجد للكلام فيه موضعا تكلم بما لم يقدح فيه وبيحيى بن أيوب احتج الأئمة الستة في كتبهم وباقي إسنادها ثقات. انتهى.

                                                            وقال ابن حزم في المحلى أقدم بعضهم فزاد في هذا الخبر (ورق منه ما رق) وهي موضوعة مكذوبة لا نعلم أحدا رواها لا ثقة ولا ضعيفا ولا يجوز الاشتغال بما هذه صفته انتهى..

                                                            وهو عجيب فقد عرفت أنها مروية وأنها من رواية الثقات ولم يقف ابن حزم على ما ذكرناه من طريق الدارقطني والبيهقي ولكن ما كان ينبغي له المسارعة إلى هذه المجازفة. [ ص: 196 ] ولكنها شنشنته، وبها ينكر عليه، وقد ذكر الشافعي هذه الزيادة بغير إسناد، وذلك يدل على أن لها أصلا ورواه البيهقي من رواية أبي حذيفة عن محمد بن مسلم عن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر بلفظ إذا كان للرجل شرك في غلام ثم أعتق نصيبه وهو حي أقيم عليه قيمة عدل في ماله ثم أعتق ثم قال البيهقي هكذا قال عن محمد بن مسلم ، وقد أخبرونا عن زاهر بن أحمد العقبة أنا أبو القاسم البغوي ثنا داود بن عمر الضبي ثنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن ابن عمر قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد كان فيه شرك وأعتق رجل نصيبه قال يقام عليه القيمة يوم يعتق وليس ذلك عند الموت قال زاهر وليست هذه اللفظة في كل حديث.

                                                            وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي من طريق عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه بلفظ من أعتق عبدا بين اثنين فإن كان موسرا قوم عليه ثم يعتق .

                                                            لفظ البخاري ولفظ مسلم من أعتق عبدا بينه وبين آخر قوم عليه في ماله قيمة عدل لا وكس ولا شطط ثم أعتق عليه في ماله إذا كان [ ص: 197 ] موسرا .

                                                            ورواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق الزهري عن سالم عن أبيه بلفظ من أعتق شركا له في عبد عتق ما بقي في ماله إذا كان له مال يبلغ ثمن العبد ..

                                                            (الثانية) فيه أن من ملك حصة من عبد فأعتق تلك الحصة التي يملكها فكان موسرا بقيمة الباقي عتق عليه جميع العبد وقومت عليه حصة شريكه فدفع إليه ثمنها وصار هو منفردا بولاء العبد ثم هل يعتق حصة شريكه عليه في الحال أو لا يعتق إلا بأداء القيمة لفظ هذه الرواية محتمل ؛ لأنه ذكر إعتاق جميع العبد معطوفا على التقويم وإعطاء الشريك حصته بالواو التي لا دلالة لها على الترتيب.

                                                            ورواية أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر تقتضي العتق في الحال فإن لفظها في صحيح البخاري من أعتق نصيبا له في مملوك أو شركا له في عبد وكان له من المال ما يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق ورواية سالم عن أبيه تقتضي أنه لا يعتق إلا بأداء القيمة فإن لفظها كما تقدم " فإن كان موسرا قوم عليه ثم يعتق " فرتب العتق على التقويم بثم لكن قد يقال لا يلزم من ترتيبه على التقويم ترتيبه على أداء القيمة فإن التقويم معرفة قيمته ثم قد يدفع القيمة، وقد لا يدفعها وإن لم يكن موسرا بقيمة الباقي عتق عليه ذلك القدر خاصة [ ص: 198 ] واستمر الباقي على رقه. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال.

                                                            (أحدها) هذا وأنه يعتق جميعه في الحال فيما إذا كان المعتق موسرا بقيمة الباقي، وهذا أصح الأقوال في مذهب الشافعي وبه قال أحمد وإسحاق وبعض المالكية ، وذكر ابن حزم أن أحمد وإسحاق سكتا عن المعسر فما سمعنا عنهما فيه لفظة قال أصحابنا ولو أعسر المعتق بعد ذلك استمر نفوذ العتق وكانت القيمة دينا في ذمته، ولو مات أخذت من تركته فإن لم يكن له تركة ضاعت القيمة واستمر عتق جميعه قالوا: ولو أعتق الشريك نصيبه بعد إعتاق الأول نصيبه كان إعتاقه لغوا ؛ لأنه قد صار كله حرا.

                                                            (القول الثاني) كالذي قبله إلا أنه لا يعتق إلا بدفع القيمة فلو أعتق الشريك حصته قبل أن يدفع المعتق القيمة نفذ عتقه وهذا هو المشهور من مذهب مالك وهو قول للشافعي وبه قال أهل الظاهر كما حكاه النووي في شرح مسلم وفيه نظر فإن ابن حزم منهم قال بالأول فيما إذا كان موسرا، وقال ابن حزم بعد نقله هذا القول عن مالك بزيادة تفاريع: ما نعلم هذا القول لأحد قبله.

                                                            (الثالث) أنه إن كان المعتق موسرا يخير شريكه بين ثلاث أمور إن شاء استسعى العبد في نصف قيمته، وإن شاء أعتق نصيبه والولاء بينهما وإن شاء قوم نصيبه على شريكه المعتق ثم يرجع المعتق بما دفع إلى شريكه على العبد يستسعيه في ذلك والولاء كله للمعتق وبهذا قال أبو حنيفة كما حكاه النووي في شرح مسلم لكن الذي في كتب أصحابه، ومنها الهداية فيما إذا كان المعتق معسرا يخير الشريك بين استسعاء العبد وبين إعتاق نصيبه وكذا حكاه عنه ابن حزم الظاهري فهذا قول رابع. وقال ابن حزم بعد نقله عنه: ما نعلم أحدا من أهل الإسلام سبقه إلى هذا التقسيم.

                                                            (الخامس) أنه إن كان موسرا عتق عليه جميعه بنفس الإعتاق، ويقوم عليه نصيب شريكه بقيمته يوم الإعتاق فإن كان معسرا استسعى العبد في حصة الشريك، وبهذا قال ابن شبرمة والأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى والحسن بن حيي وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وإسحاق بن راهويه وهو رواية عن أحمد بن حنبل وروي عن سعيد بن المسيب أنه حكاه عن ثلاثين من الصحابة، ولم يصح عنه وحكاه ابن حزم عن أبي الزناد [ ص: 199 ] وابن أبي ليلى وأنهما قالا سمعنا أن عمر بن الخطاب تكلم ببعض ذلك وعن سليمان بن يسار أنه قال جرت به السنة وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان والشعبي والحسن البصري والزهري وابن جريج ثم اختلف هؤلاء فقال ابن شبرمة وابن أبي ليلى يرجع العبد على معتقه بما أدى في سعايته، وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يرجع فهذا (مذهب سادس)..

                                                            ثم هو عند أبي حنيفة في مدة السعاية بمنزلة المكاتب وعند الآخرين هو حر بالسراية فهذا (مذهب سابع).

                                                            (الثامن) أنه ينفذ عتقه في نصيبه، ولا شيء عليه لشريكه إلا أن يكون جارية رائعة تراد للوطء فيضمن ما أدخل على شريكه فيها من الضرر وهذا هو قول عثمان البتي .

                                                            (الثالثة) أنه يعتق الكل وتكون القيمة في بيت المال وهذا محكي عن قول ابن سيرين وذكر النووي أن هذين القولين فاسدان مخالفان لصريح الأحاديث مردودان على قائلهما.

                                                            (الرابعة) أن هذا الحكم للعبد دون الإماء وهذا محكي عن إسحاق بن راهويه قال النووي وهذا القول شاذ مخالف للعلماء كافة. انتهى.

                                                            وقد عرفت فيما تقدم أن في صحيح البخاري ذكر الأئمة في هذا الحكم في فتوى ابن عمر وفي آخره يخبر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فصار ذلك مرفوعا

                                                            وروى الدارقطني من رواية عبد الرحمن بن يزيد بن تميم عن الزهري عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له شريك في عبد أو أمة فأعتق نصيبه فإن عليه عتق ما بقي في العبد والأمة من حصص شركائه تمام قيمة عدل ويؤدي إلى شركائه قيمة حصصهم ويعتق العبد والأمة إن كان في مال المعتق بقيمة حصص شركائه ورواه الدارقطني أيضا من رواية صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في العبد والأمة. الحديث..

                                                            وأيضا فقد ذكر ابن حزم وغيره أن لفظ العبد في اللغة يتناول الأمة فلا يحتاج إلى التصريح بذكرها وأصرح من ذلك في تناول الأمة لفظ الرواية الأخرى من أعتق شركا له في مملوك وهي في الصحيحين بل لو لم يتناولها لفظ العبد ولا المملوك ولا ورد فيها نص بخصوصها فإلحاقها في ذلك بالعبد من القياس الجلي الذي لا ينكر قال إمام الحرمين إدراك كون الأمة فيه كالعبد حاصل للسامع قبل التفطن لوجه الجمع [ ص: 200 ]

                                                            (الحادي عشر) أنه يقوم على المعتق ويعتق عليه كله مطلقا فإن كان موسرا أخذت منه القيمة في الحال، وإن كان معسرا أدى القيمة إذا أيسر، وبهذا قال زفر وبعض البصريين وحكى ابن حزم إطلاق تضمين المعتق عن عمر وابن مسعود وعروة بن الزبير وقال: إنه لا يصح عن عمر وابن مسعود وحكى ابن العربي الإجماع على أنه لا يقوم على المعسر.

                                                            (الثاني عشر) أنه إن كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه، وإن كان معسرا بطل عتقه في نصيبه أيضا فبقي العبد كله رقيقا كما كان حكاه القاضي عياض عن بعض العلماء وقال النووي : إنه مذهب باطل.

                                                            (الثالث عشر) أنه لا يعتق نصيب المعتق موسرا كان أو معسرا، وبهذا قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال النووي : وهذا مذهب باطل مخالف للأحاديث الصحيحة كلها وللإجماع.

                                                            (الرابع عشر) أنه ينفذ عتق من أعتق ويبقى الشريك الآخر على نصيبه يفعل فيه ما شاء حكاه ابن حزم عن عمر بن الخطاب وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار والزهري ومعمر وربيعة .

                                                            (الخامس عشر) أن شريكه بالخيار إن شاء أعتق، وإن شاء ضمن المعتق حكاه ابن حزم عن سفيان الثوري والليث بن سعد وعن عمر رضي الله عنه إلا أنه قال: إنه لا يصح عنه إنما الصحيح عنه ما تقدم وهذا قريب مما تقدم عن أبي حنيفة إلا أن ذاك فيه زيادة خصلة ثالثة، وهي استسعاء العبد .

                                                            (السادس عشر) أن العبد يستسعى في الباقي موسرا كان المعتق أو معسرا ذكره عبد الرزاق عن جريج عن عطاء وقال ابن جريج هذا أول قولي عطاء رجع إلى ما ذكرت عنه قبل.

                                                            (السابع عشر) أنه إذا كان المعتق معسرا فأراد العبد أخذ نفسه بقيمته فهو أولى بذلك

                                                            ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي يزيد .



                                                            (الخامسة) قد عرفت مما تقدم أن مذهب مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه إنكار الاستسعاء وأن مذهب أبي حنيفة القول به في الجملة ، فالأولون تمسكوا بقوله في هذا الحديث وإلا عتق منه ما عتق أي ولا يكن له مال يبلغ ثمن العبد فإنه يعتق ما عتق بالإعتاق، ويستمر الباقي على الإرقاق كما صرح به في تلك الرواية التي سقناها في الفائدة الأولى، وأن ابن حزم أنكرها، وقد قدح بعضهم في صحة قوله.

                                                            وإلا عتق منه ما عتق مرفوعا فإن هذه الزيادة لم يذكرها موسى بن عقبة [ ص: 201 ] والليث بن سعد وابن أبي ذئب وجويرية بن العاص وإسماعيل بن أمية ولما ذكرها أيوب السختياني ويحيى بن سعيد ترددوا هل هي في الحديث أم من قول نافع بل قال أيوب في رواية للنسائي : أكثر ظني أنه شيء يقوله نافع من قبله ولهذا قال ابن ضاح : ليس هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم . وجواب ذلك أنه قد ذكرها بالجزم مالك وعبيد بن عمر وجرير بن حازم ورويت أيضا عن إسماعيل بن أمية ويحيى بن سعيد كما تقدم ومن حفظ حجة على من نسي ومن جزم حجة على من تردد ؛ ولهذا قال ابن حزم لما ذكر هذا الكلام مع أن الموافق لمذهبه صحته ؛ لأنه يقول بالسعاية: لسنا نلتفت إلى هذا ؛ لأنه دعوى بلا دليل.

                                                            وقال الشافعي : لا أحسب عالما بالحديث ورواته يشك في أن مالكا أحفظ لحديث نافع من أيوب ؛ لأنه كان ألزم له من أيوب ولمالك فضل حفظه لحديث أصحابه خاصة، ولو استويا في الحفظ فشك أحدهما في شيء لم يشك فيه صاحبه لم يكن في هذا موضع لأن يغلط به الذي لم يشك إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه أو يأتي بشيء في الحديث يشركه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ منه هم عدد وهو منفرد، وقد وافق مالكا في زيادة ذلك يعني غيره من أصحاب نافع وزاد فيه بعضهم ورق منه ما رق . انتهى..

                                                            وأيد ذلك البيهقي بقول البخاري أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر وبأن عبد الرحمن بن مهدي كان لا يقدم على مالك أحدا، وبأن عثمان بن سعيد الدارمي قال قلت ليحيى بن معين مالك أحب إليك من نافع أم عبيد الله بن عمر قال مالك (قلت) فأيوب السختياني قال مالك . وقال القاضي عياض ما قاله مالك وعبيد الله العمري أولى، وقد جوداه وهما في نافع أثبت من أيوب عند أهل هذا الشأن كيف، وقد شك أيوب فيه. انتهى.

                                                            ونقل ابن العربي عن المخالفين أن قوله (عتق منه ما عتق) من قول ابن عمر ثم قال: ورجح أصحاب الحديث المأمونون على الدين أن حديث ابن عمر كله من قول النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن حزم ليس في قوله عتق منه ما عتق دليل على حكم المعسر أصلا بل هو مسكوت عنه في هذا الخبر ولا شك في أنه قد عتق منه ما عتق وبقي حكم المعسر فوجب طلبه من غير هذا الخبر، وقد دل عليه حديث الاستسعاء الذي سنحكيه. انتهى.

                                                            [ ص: 202 ] وهو عجيب فإنه عليه الصلاة والسلام ذكر هذا الحكم وهو عتق ما عتق مشروطا بأن لا يكون له مال يبلغ ثمن العبد فدل على أن المراد الاقتصار على عتق ما أعتقه واستمرار الباقي رقيقا، ولو كان المراد الإخبار بعتق ما عتق مع السكوت عن الباقي لم يشرط ذلك فإنه حاصل مع اليسار والإعسار وهو أيضا واضح لا فائدة في الإخبار به بل فيه برودة يصان عنها كلام آحاد الفصحاء فكيف بكلام أفصح الخلق وأبلغهم عليه الصلاة والسلام.

                                                            (السادسة) واستدل القائل بالاستسعاء بما رواه الأئمة الستة من طريق قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق شقيصا من مملوكه فعليه خلاصه في ماله فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل ثم استسعي غير مشقوق عليه .

                                                            وفي لفظ لمسلم في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما بأن يضمن وفي لفظه له من أعتق شقيصا من مملوك فهو حر من ماله .

                                                            وفي لفظ لأبي داود والنسائي ثم استسعي لصاحبه في قيمته غير مشقوق عليه ثم قال أبو داود رواه روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة لم يذكر السعاية، وكذا بين الترمذي الاختلاف فيه، وأن بعضهم ذكر السعاية وبعضهم لم يذكرها.

                                                            وأجاب أصحابنا وغيرهم عن هذا الحديث بأجوبة:

                                                            (أحدها) أن الاستسعاء مدرج في الحديث ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام قتادة ، وقد رواه الدارقطني والخطابي والبيهقي من رواية همام بن يحيى عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن رجلا أعتق شقصا من مملوك فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه وغرمه بقية ثمنه قال قتادة : إن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه ففي هذه الرواية فصل السعاية من الحديث وجعلها من قول قتادة ، وقد ذهب إلى هذا غير واحد من الأئمة قال النسائي في سننه الكلام الأخير يعني الاستسعاء من قول قتادة بلغني أن هماما روى هذا الحديث فجعل هذا الكلام من قول قتادة ورواه الدارقطني من طريق شعبة عن قتادة بدون ذكر الاستسعاء ثم قال وافقه هشام الدستوائي لم يذكر الاستسعاء وشعبة وهشام أحفظ من رواه [ ص: 203 ] عن قتادة ورواه همام فجعل الاستسعاء من قول قتادة وفصله من قول النبي صلى الله عليه وسلم ورواه ابن أبي عروبة وجرير بن حازم عن قتادة فجعل الاستسعاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحسبهما وهما فيه ؛ لمخالفة شعبة وهشام وهمام إياهما. ثم قال: سمعت النيسابوري يقول ما أحسن ما رواه همام ضبطه ففصل بين قول النبي صلى الله عليه وسلم وبين قول قتادة وفهم والدي رحمه الله أن النيسابوري هذا هو أبو علي النيسابوري شيخ الحاكم والظاهر أنه أبو بكر النيسابوري فإن الدارقطني روى رواية همام التي فيها فصل السعاية وجعلها من كلام قتادة عن أبي بكر النيسابوري . ثم قال: سمعت النيسابوري فحكى الكلام المتقدم فالظاهر أنه أراد شيخه الذي روى عنه تلك الرواية. وقد صرح القاضي عياض في نقله عن الدارقطني بتكنيته أبا بكر .

                                                            وقال الخطابي في معالم السنن هذا الكلام لا يثبته أكثر أهل النقل مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم ويزعمون أنه من كلام قتادة ، وأخبرني الحسن بن يحيى عن ابن المنذر قال هذا الكلام من فتيا قتادة وليس من متن الحديث ثم استدل ابن المنذر برواية همام وقال فقد أخبرهما أن ذكر السعاية من قول قتادة . قال: وألحق سعيد بن أبي عروبة الذي ميزه همام من قول قتادة فجعله متصلا بالحديث ثم حكى الخطابي كلام أبي داود في الاختلاف في ذكر السعاية في هذا الحديث ثم قال: قال محمد بن إسماعيل رواه شعبة عن قتادة ولم يذكر السعاية واضطرب سعيد بن أبي عروبة في السعاية مرة يذكرها ومرة لا يذكرها فدل على أنها ليست من متن الحديث عنده، وإنما هي من كلام قتادة وتفسيره على ما قال همام وبينه ويدل على صحة ذلك حديث ابن عمر . انتهى. وقال البيهقي : وأما الشافعي رحمه الله فإنه ضعف أمر السعاية فيه بوجوه. (منها) أن شعبة وهشاما الدستوائي رويا هذا الحديث عن قتادة ليس فيه استسعاء، وهما أحفظ (ومنها) أن الشافعي سمع بعض أهل البصر والتدين والعلم بالحديث يقول لو كان سعيد بن عروبة في الاستسعاء منفردا لا يخالفه غيره ما كان ثابتا قال البيهقي : ولعله إنما قال ذلك ؛ لأن حديث بشير بن نهيك عن أبي هريرة يقال أنه من كتاب، وقد روي عن بشير أنه قرأ ما كتب على أبي هريرة فليس فيه ما يوهن [ ص: 204 ] حديثه ويحتمل أنه إنما قال ذلك ؛ لأن سعيدا ينفرد به والحفاظ يتوقفون في إثبات ما ينفرد به سعيد لاختلاطه في آخر عمره، وقد وافقه غيره في رواية الاستسعاء أو قال ذلك ؛ لأن إسناده مختلف فيه فأكثرهم رووه عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة ورواه معمر وسعيد بن بشير عن قتادة عن بشير ليس فيه ذكر النضر بن أنس وكذلك هو في إحدى الروايتين عن هشام وقيل عن قتادة عن موسى بن أنس عن بشير وقيل عن بشير عن جابر بن عبد الله وكل هذا وهم والقول قول الأكثر قال البيهقي والذي يوهن أمر السعاية فيه رواية همام بن يحيى حيث جعل الاستسعاء من قول قتادة وفصله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم . ثم روي عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال أحاديث همام عن قتادة أصح من حديث غيره ؛ لأنه كتبها إملاء وعن يحيى بن سعيد قال شعبة : أعلم الناس بحديث قتادة ما سمع منه وما لم يسمع وهشام أحفظ وسعيد أكثر. قال البيهقي : فقد أجمع شعبة مع فضل حفظه وعلمه بما سمع من قتادة وما لم يسمع وهشام مع فضل حفظه وهمام مع صحة كتابه وزيادة معرفته بما ليس من الحديث على خلاف ابن أبي عروبة ومن وافقه في إدراج السعاية في الحديث، وفي هذا ما يشكك في ثبوت الاستسعاء في هذا الحديث. قال والذي يدل على أن الاستسعاء من فتيا قتادة أن الأوزاعي سئل عن صورة من ذلك فحكى هذا الإفتاء عن قتادة .

                                                            (ومنها) أن الشافعي قال: قيل لمن حضر من أهل الحديث لو اختلف نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الإسناد أيهما كان أثبت قال نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشافعي : قلت وعلينا أن نصير إلى الأثبت من الحديثين قال نعم قال البيهقي مع حديث نافع حديث عمران بن حصين بإبطال الاستسعاء ثم قال البيهقي وروي عن الحجاج بن أرطاة عن نافع عن ابن عمر في السعاية وهو منكر عنه. ثم روى بإسناده عن أبي خيثمة قال ذكرت أنا وخلف بن هشام لعبد الرحمن بن مهدي حديث الحجاج عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن العبد إذا كان بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه أن الذي لم يعتق إن شاء ضمن المعتق [ ص: 205 ] القيمة فإن لم يكن عنده استسعى العبد غير مشقوق عليه

                                                            فقال عبد الرحمن وهذا من أعظم الفرية كيف يكون هذا على ما رواه الحجاج عن نافع عن ابن عمر ، وقد رواه عبيد الله بن عمر ولم يكن في آل عمر أثبت منه ولا أحفظ ولا أوثق ولا أشد تقدمة في علم الحديث في زمانه فكان يقال: إنه واحد دهره في الحفظ ثم تلاه في رواية مالك بن أنس ولم يكن دونه في الحفظ بل هو عندنا في الحفظ والإتقان مثله أو أجمع منه في كثير من الأحوال ورواه أيضا يحيى بن سعيد الأنصاري وهو من أثبت أهل المدينة ، وأصحهم رواية رووه جميعا عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أعتق نصيبا أو شقيصا في عبد كلف عتق ما بقي إن كان له مال فإن لم يكن له مال فإنه يعتق من العبد ما أعتق . وقال ابن عبد البر اتفق شعبة وهشام وهمام على ترك ذكر الاستسعاء في هذا الحديث والقول قولهم في قتادة عند جميع أهل العلم في الحديث إذا خالفهم في قتادة غيرهم.

                                                            ثم قال: وليس أحد في الجملة في قتادة مثل شعبة ؛ لأنه كان يوافقه على الإسناد والسماع، وهذا الذي ذكرت لك قول جماعة أهل العلم بالحديث. وقال القاضي أبو بكر بن العربي : اتفقوا على ذكر الاستسعاء ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من قول قتادة وصوب القاضي عياض أنه من قول قتادة وحكي عن الأصيلي وابن القصار وغيرهما أن من أسقط السعاية من الحديث أولى ممن ذكرها، وقد ورد التصريح بنفي الاستسعاء فيما رواه النسائي قال أخبرني عمرو بن عثمان عن الوليد عن حفص وهو ابن غيلان عن سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر وعن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أعتق عبدا وله فيه شركاء وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمته لما أساء من مشاركتهم وليس على العبد شيء ورواه البيهقي من طريق ابن عدي عن الحسن عن سفيان عن صفوان عن صالح ثنا الوليد بن مسلم ثنا أبو معيد وقال ابن عدي قوله ليس على العبد شيء لا يرويه غير أبي معيد وهو حفص بن غيلان عن سليمان بن موسى قال والدي رحمه الله : وأبو معيد حفص بن غيلان وسليمان بن الأشدق [ ص: 206 ] وثقهما الجمهور. انتهى.

                                                            وهو بضم الميم وفتح العين المهملة، وإسكان الياء المثناة من تحت.

                                                            (الجواب الثاني) قال بعضهم ليس معنى الاستسعاء ما فهمه منه الجمهور وهو أن العبد يكلف الاكتساب والطلب حتى يحصل قيمة نصيب الشريك الآخر، وإنما معناه أن يحرم سيده الذي لم يعتق بقدر ما له فيه من الرق ولهذا قال غير مشقوق عليه أي لا يشق عليه بأن يكلف من الخدمة فوق حصة الرق فعلى هذا تتفق الأحاديث ولا يكون بينها اختلاف لكن يرد هذا قوله في رواية لأبي داود والنسائي في قيمته.

                                                            (الجواب الثالث) قال البيهقي : إن ثبت حديث السعاية ففيه ما دل على أن ذلك على الاختيار من جهة العبد فإنه قال غير مشقوق عليه وفي الإجبار عليه، وهو يأباه مشقة عظيمة وإذا كان باختياره لم يكن بينه وبين سائر الأخبار مخالفة وقال القاضي أبو بكر بن العربي بعد ذكره ترجيح إسقاطه السعاية من جهة الخبر.

                                                            وأما مدرك النظر فضعيف من جهة أبي حنيفة ؛ لأن الاستسعاء كتابة والكتابة عندنا وعنده لا تجب، وإن كان العبد قادرا عليها ومال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة إلى العمل بحديث الاستسعاء، وقال: أخرجه الشيخان في صحيحيهما وحسبك بذلك فقد قالوا: إن ذلك أعلى درجة الصحيح والذين لم يقولوا بالاستسعاء تعللوا في تضعيفه بتعليلات لا يمكنهم الوفاء بمثلها في المواضع التي يحتاجون إلى الاستدلال فيها بأحاديث ترد عليها بمثل تلك التعليلات. قال والنظر بعد الحكم بصحة الحديث منحصر في تقديم إحدى الدلالتين على الأخرى أعني دلالة قوله عتق منه على ما عتق على رق الباقي ودلالة استسعى على لزوم الاستسعاء في هذه الحالة والظاهر ترجيح هذه الدلالة على الأولى. انتهى .



                                                            (السابعة) قوله من أعتق شركا بكسر الشين هو بمعنى قوله في رواية أخرى شقصا وهو بكسر الشين أيضا وقال الشقيص أيضا بزيادة ياء وهو النصيب قليلا كان أو كثيرا والشرك في الأصل مصدر أطلق على متعلقه وهو المشترك، ولا بد من إضمار أي جزء مشترك ؛ لأن المشترك في الحقيقة الجملة، وأخرج به ما إذا كان مالكا لعبد بكماله فأعتق بعضه فإنه يعتق جميعه مطلقا لمصادفة العتق ملكه، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور [ ص: 207 ] وقال أبو حنيفة يستسعى في بقيته لمولاه كما قال في المشترك وخالفه الناس في ذلك حتى صاحباه وذكر النووي أن العلماء كافة على الأول وانفرد أبو حنيفة بقوله ثم قال وحكى القاضي عياض أنه روي عن طاوس وربيعة وحماد ورواية عن الحسن كقول أبي حنيفة وقال أهل الظاهر وعن الشعبي وعبد الله بن الحسن العنبري أن للرجل أن يعتق من عبده ما شاء. انتهى.

                                                            وفيما نقله عن أهل الظاهر نظر فقد قال ابن حزم بعتق الجميع فيما إذا كان كله مملوكا له كقول الجمهور ولم ينقل عن أحد من أصحابهم ما يخالفه وقال: ما نعلم لأبي حنيفة متقدما قبله. وقال أبو بكر بن العربي في هذه الصورة العجب كل العجب ما قال علماؤنا إن مات مشاقصه عتق بقيته، وإلا فقد عتق منه ما عتق قاله مطرف وابن الماجشون عن مالك وكيف يكمل عليه مع الشريك قضاء جزما ويحكم بسراية العتق ولا يسري العتق بنفس القول هنا. انتهى .



                                                            (الثامنة) خرج بقوله أعتق ما إذا أعتق عليه قهرا بأن ورث بعض من يعتق عليه بالقرابة فإنه يعتق ذلك القدر خاصة، ولا سراية وبهذا صرح الفقهاء من أصحابنا وغيرهم وعن أحمد رواية بخلافه .



                                                            (التاسعة) وخرج به أيضا ما إذا أوصى بإعتاق نصيبه من عبد بعد موته فإنه يعتق ذلك القدر ولا سراية ؛ وذلك لأن المال ينتقل إلى الوارث ويصير الميت معسرا بل لو كان كل العبد له فأوصى بإعتاق بعضه أعتق ذلك البعض، ولم يسر وبهذا قال الجمهور وعند المالكية قول أنه يقوم في ثلثه ويجعل موسرا بعد الموت .



                                                            (العاشرة) قوله فكان له مال يبلغ ثمن العبد أي ثمن بقية العبد أما حصته فهو موسر بها لملكه لها فيعتق على كل حال قال أصحابنا وغيرهم ويصرف في ثمن بقية العبد جميع ما يباع في الدين فيباع مسكنه وخادمه وكل ما فضل عن قوت يومه وقوت من تلزمه نفقته ودست ثوب يلبسه وسكنى يوم وقال أشهب من المالكية يباع من الكسوة ما فضل عما يواريه لصلاته .



                                                            (الحادية عشرة) فلو كان له مال لكنه لا يبلغ ثمن بقية العبد فهل يعتق من بقية العبد بقدر ما يملك أو لا يعتق من بقيته شيء ؟ قال بعض الشافعية : لا يسري ؛ لأنه شيء لا يفيد الاستقلال في ثبوت أحكام الأحرار، وقال أكثرهم أنه يسري إلى القدر الذي هو موسر به [ ص: 208 ] تنفيذا للعتق بحسب الإمكان، وهذا الثاني هو الأصح وعليه نص الشافعي في الأم وهو مذهب المالكية .

                                                            (الثانية عشرة) قوله قوم عليه قيمة العدل بفتح العين أي بلا زيادة ولا نقص وهو معنى قوله في رواية سالم عن أبيه ولا وكس ولا شطط والوكس بفتح الواو وإسكان الكاف وبالسين المهملة النقص والشطط بفتح الشين المعجمة بعدها طاء مهملة مكررة الجور وفيه إثبات التقويم والأخذ بما يقوله أهل المعرفة بالقيمة وإن كان ظنا وتخمينا مع أن أصل الشهادة أن يكون باليقين لكن اغتفر ذلك في التقويم للضرورة .



                                                            (الثالثة عشرة) استدل به ابن عبد البر على أن من أتلف شيئا من الحيوان أو العروض التي لا تكال ولا توزن فعليه قيمته لا مثله قال: وبه قال مالك ، وأصحابه قال وذهب جماعة من العلماء منهم الشافعي وداود إلى أن القيمة لا يقضى بها إلا عند عدم المثل وما حكاه عن الشافعي من ضمان المتلف الذي لا يكال ولا يوزن بالمثل مردود فلم يقل الشافعي بذلك، وإنما ضمنه بالقيمة كما دل عليه هذا الحديث وإنما أوجب أصحابنا الضمان بالمثل، ولو صورة في القرض فأما في باب الإتلافات فلا والله أعلم .



                                                            (الرابعة عشرة) قوله فأعطى شركاءه حصصهم أي إن كان له شركاء فإن كان له شريك واحد أعطاه جميع ثمن الباقي أو شريكان أعطاهما. والعطية هنا على قدر الملك بلا شك فلو كان للمعتق النصف وهو موسر بالباقي، وله شريكان لأحدهما الثلث والآخر السدس كان المدفوع بينهما أثلاثا، وإنما اختلف المالكية في عكس ذلك، وهو أن يعتق كل من صاحب الثلث والسدس حصته وهما موسران فهل يقوم عليهما نصيب صاحب النصف بالسوية أو يكون ذلك على قدر الحصص حتى يكون التقويم عليهما أثلاثا والصحيح عندهم الثاني والخلاف عند الحنابلة والصحيح عندهم الأول وهو نظير الخلاف في الشفعة إذا كانت لاثنين هل يأخذانها بالسوية أو على قدر الملك والخلاف في ذلك مشهور والصحيح عند الكل أنه على قدر الملك والله أعلم .



                                                            (الخامسة عشرة) ظاهره أنه لا فرق في ذلك بين الصحيح والمريض ولو مرض الموت بناء على العموم في الأحوال وهو المعتمد وبه قال الشافعية إلا أنهم خصوه في مرض الموت بما إذا وسعه الثلث ؛ لأن تصرف المريض في الثلث كتصرف الصحيح في جميع المال، وعن أحمد وابن الماجشون أنه لا تقويم في [ ص: 209 ] المرض .



                                                            (السادسة عشرة) وظاهره أيضا أن لا فرق بين أن يكون المعتق والشريك والعبد مسلمين أو كفارا أو بعضهم مسلمين وبعضهم كفارا وبه قال الشافعية وعند الحنابلة وجهان فيما لو أعتق الكافر شركا له في عبد مسلم هل يسري عليه أم لا وقال المالكية إن كانوا كفارا فلا سراية وإن كان المعتق كافرا دون شريكه فهل يسري عليه أم لا فيما إذا كان العبد مسلما دون ما إذا كان كافرا ثلاثة أقوال، وإن كانا كافرين والعبد مسلما فروايتان، وإن كان المعتق مسلما سرى عليه بكل حال .



                                                            (السابعة عشرة) وظاهره أيضا تناول ما إذا تعلق بمحل السراية حق لازم بأن يكون نصيب الشريك مرهونا أو مكاتبا أو مدبرا أو مستولدا بأن استولدها وهو معسر وفي ذلك عند الشافعية خلاف والأصح عندهم السراية في المرهون والمكاتب والمدبر دون المستولدة ؛ لعدم قبولها نقل الملك .



                                                            (الثامنة عشرة) وظاهره أيضا أنه لا فرق بين عتق مأذون فيه وغير مأذون فيه وقال الحنفية : لا ضمان في الإعتاق لمأذون فيه كما لو قال لشريكه أعتق نصيبك .



                                                            (التاسعة عشرة) لا فرق بين الإعتاق بالتنجيز والتعليق بالصفة مع وجودها فإن مجموعهما كالتنجيز واختلف المالكية في العتق إلى أجل فقال مالك وابن القاسم : يقوم عليه فيعتق إلى أجل، وقال سحنون : إن شاء المتمسك قومه الساعة فكان جميعه حرا إلى سنة مثلا وإن شاء تماسك وليس له بيعه قبل السنة إلا من شريكه وإذا تمت السنة قوم على مبتدئ العتق عند التقويم .



                                                            (العشرون) قوله فكان له مال يقتضي اعتبار ذلك حالة العتق حتى لو كان معسرا حالة الإعتاق ثم أيسر بعد ذلك لم يسر عليه وهو كذلك.

                                                            (الحادية والعشرون) ظاهره أنه لا فرق في السراية فيما إذا ملك قيمة الباقي بين أن يكون عليه دين بقدر ذلك أم لا وهو الأظهر من قولي الشافعي وبه قال أكثر أصحابه والخلاف في ذلك كالخلاف في أن الدين هل يمنع الزكاة أم لا .




                                                            الخدمات العلمية