الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء إذا عطب الهدي ما يصنع به

                                                                                                          910 حدثنا هارون بن إسحق الهمداني حدثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية الخزاعي صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من البدن قال انحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم خل بين الناس وبينها فيأكلوها وفي الباب عن ذؤيب أبي قبيصة الخزاعي قال أبو عيسى حديث ناجية حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا في هدي التطوع إذا عطب لا يأكل هو ولا أحد من أهل رفقته ويخلى بينه وبين الناس يأكلونه وقد أجزأ عنه وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق وقالوا إن أكل منه شيئا غرم بقدر ما أكل منه وقال بعض أهل العلم إذا أكل من هدي التطوع شيئا فقد ضمن الذي أكل

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء إذا عطب الهدي ما يصنع به ) عطب كفرح هلك ، والمراد قرب هلاكها حتى خيف عليها الموت .

                                                                                                          قوله : ( عن ناجية الخزاعي ) هو ابن جندب بن كعب وقيل ابن كعب بن جندب ، صحابي تفرد بالرواية عنه عروة بن الزبير . قال السيوطي : ليس له في الكتب إلا هذا الحديث ، وكان اسمه ذكوان فسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- ناجية حين نجا من قريش ، واسم أبيه جندب وقيل كعب ، انتهى . قوله : ( كيف أصنع بما عطب ) قال في النهاية : عطب الهدي هلاكه وقد يعبر عن آفة تعتريه وتمنعه عن السير فينحر ، انتهى .

                                                                                                          ( ثم اغمس نعلها ) إنما يفعل ذلك لأجل أن يعلم من مر به أنه هدي فيأكله ( ثم خل بين الناس وبينها فيأكلوها ) وفي حديث ذؤيب أبي قبيصة : ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك . قال النووي : وفي المراد بالرفقة وجهان لأصحابنا ؛ أحدهما الذين يخالطون المهدي في الأكل وغيره دون باقي القافلة ، والثاني ـ وهو الأصح الذي يقتضيه ظاهر نص الشافعي وجمهور أصحابنا ـ أن المراد بالرفقة جميع القافلة ؛ لأن السبب الذي منعت به الرفقة هو خوف تعطيبهم إياه وهذا موجود في جميع القافلة ، فإن قيل إذا لم تجوزوا لأهل الرفقة أكله وقلتم بتركه في البرية كان طعمة للسباع وهذا إضاعة مال ، قلنا ليس فيه إضاعة ، بل العادة الغالبة أن سكان البوادي يتتبعون منازل الحجيج لالتقاط ساقطة ونحو ذلك ، وقد تأتي قافلة إثر قافلة ، والرفقة بضم الراء وكسرها لغتان مشهورتان ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 561 ] قوله : ( وفي الباب عن ذؤيب أبي قبيصة الخزاعي ) أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه عنه قال : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبعث معه بالبدن ثم يقول ( إن عطب منها شيء فخشيت عليها موتا فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك " ، قوله : ( حديث ناجية حديث حسن صحيح ) قال في المنتقى : رواه الخمسة إلا النسائي .

                                                                                                          قوله : ( ويخلي بينه وبين الناس ) أي يترك بينه وبين الناس ( يأكلونه ) قال النووي : ولا يجوز للأغنياء الأكل منه مطلقا ؛ لأن الهدي مستحق للمساكين فلا يجوز لغيرهم ، انتهى . وقال القاري في شرح الموطأ لمحمد : اعلم أن هدي التطوع إذا بلغ الحرم يجوز لصاحبه وغيره من الأغنياء ؛ لأن القربة فيه بالإراقة إنما يكون في الحرم وفي غيره التصدق ، انتهى .

                                                                                                          ( وقد أجزأ عنه ) أي لا بدل عليه ( وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا : إن أكل منه شيئا غرم مقدار ما أكل منه ) أي تصدق قيمة ما أكل منه من الغرم وهو أداء شيء لازم . قال سعيد بن المسيب : إنه كان يقول من ساق بدنه تطوعا ثم عطبت فنحرها فليجعل قلادتها ونعلها في دمها ثم يتركها للناس يأكلونها وليس عليه شيء ، فإن هو أكل منها أو أمر بأكلها فعليه الغرم ، رواه محمد في الموطأ . وقوله فعليه الغرم بضم الغين أي الغرامة وهي قيمة ما أكل ( وقال بعض أهل العلم إذا أكل من هدي التطوع شيئا فقد ضمن ) أي عليه البدل ، وهذا خلاف مذهب الجمهور . قال عياض : فما عطب من هدي التطوع لا يأكل منه صاحبه ولا سائقه ولا رفقته لنص الحديث ، وبه قال مالك والجمهور وقالوا : لا بدل عليه لأنه موضع بيان . ولم يبين -صلى الله عليه وسلم- بخلاف الهدي الواجب ، إذا عطب قبل محله فيأكل منه صاحبه والأغنياء لأن صاحبه يضمنه لتعلقه بذمته ، قاله الزرقاني .

                                                                                                          [ ص: 562 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية