الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 98 ]

                                                                                                                                                                                                                                        سورة نوح

                                                                                                                                                                                                                                        مكية بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل : إنا أرسلنا نوحا إلى قومه روى قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أول نبي أرسل نوح) قال قتادة : بعث من الجزيرة . واختلف في سنه حين بعث : قال ابن عباس : بعث وهو ابن أربعين سنة . وقال عبد الله بن شداد : بعث وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة . وقال إبراهيم بن زيد : إنما سمي نوحا لأنه كان ينوح على نفسه في الدنيا . أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : يعني عذاب النار في الآخرة ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : عذاب الدنيا ، وهو ما ينزل عليهم بعد ذلك من الطوفان ، قاله الكلبي ، [ ص: 99 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وكان يدعو قومه وينذرهم فلا يرى منهم مجيبا ، وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه ، فيقول : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون . يغفر لكم من ذنوبكم فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أن (من) صلة زائدة ، ومعنى الكلام يغفر ذنوبكم ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنها ليست صلة ، ومعناه يخرجكم من ذنوبكم ، قاله زيد بن أسلم .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : معناه يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها ، قاله ابن شجرة . ويؤخركم إلى أجل مسمى يعني إلى موتكم وأجلكم الذي خط لكم ، فيكون موتكم بغير عذاب إن آمنتم . إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : يعني بأجل الله الذي لا يؤخر يوم القيامة ، جعله الله أجلا للبعث ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : يعني أجل الموت إذا جاء لم يؤخر ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : يعني أجل العذاب إذا جاء لا يؤخر ، قاله السدي . وفي قوله : ( لو كنتم تعلمون ) وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن ذلك بمعنى إن كنتم تعلمون .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : لو كنتم تعلمون لعلمتم أن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 100 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية