الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء من الرخصة في ذلك

                                                                                                          9 حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي عن محمد بن إسحق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها وفي الباب عن أبي قتادة وعائشة وعمار بن ياسر قال أبو عيسى حديث جابر في هذا الباب حديث حسن غريب

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء من الرخصة في ذلك ) أي في استقبال القبلة بغائط أو بول أيضا .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا محمد بن بشار ) هو بندار الحافظ ، ثقة ( ومحمد بن المثنى ) ابن عبيد العنزي أبو موسى البصري المعروف بالزمن ، مشهور بكنيته وباسمه ، ثقة ثبت من العاشرة وكان هو وبندار فرسي رهان وماتا في سنة واحدة ، كذا في التقريب ، روى عن معتمر وابن عيينة ، وغندر [ ص: 51 ] وخلق ، وعنه الأئمة الستة وخلق ، قال محمد بن يحيى حجة مات سنة 252 اثنتين وخمسين ومائتين ، كذا في الخلاصة .

                                                                                                          ( قالا نا وهب بن جرير ) ابن حازم بن زيد ، أبو عبد الله الأزدي البصري ، ثقة عن أبيه وابن عون وشعبة وخلق ، وعنه أحمد وإسحاق وابن معين ووثقه ، مات سنة 206 ست ومائتين .

                                                                                                          ( نا أبي ) جرير بن حازم ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف ، وله أوهام إذا حدث من حفظه ، مات سنة 170 سبعين ومائة بعدما اختلط ، لكن لم يحدث في حال اختلاطه ، كذا في التقريب .

                                                                                                          ( عن محمد بن إسحاق ) ابن يسار المطلبي المدني ، نزيل العراق ، إمام المغازي ، صدوق يدلس ورمي بالتشيع والقدر مات سنة 150 خمسين ومائة ، ويقال بعدها ، كذا في التقريب وقال في القول المسدد : وأما حمله أي ابن الجوزي على محمد بن إسحاق فلا طائل فيه ، فإن الأئمة قبلوا حديثه ، وأكثر ما عيب فيه التدليس والرواية عن المجهولين ، وأما هو في نفسه فصدوق ، وهو حجة في المغازي عند الجمهور . انتهى .

                                                                                                          قلت الأمر كما قال الحافظ ، فالحق أن محمد بن إسحاق في نفسه صدوق صالح للاحتجاج ، وقد اعترف به العيني وابن الهمام من الأئمة الحنفية ، قال العيني في عمدة القاري شرح البخاري : ابن إسحاق من الثقات الكبار عند الجمهور . انتهى ، وقال ابن الهمام في فتح القدير : أما ابن إسحاق فثقة ثقة لا شبهة عندنا في ذلك ، ولا عند محققي المحدثين . انتهى .

                                                                                                          تنبيه : قال صاحب العرف الشذي : اختلف أهل الجرح والتعديل في ابن إسحاق ما لم يختلف في غيره حتى إنه قال مالك بن أنس : إن قمت بين الحجر الأسود وباب الكعبة لحلفت أنه دجال كذاب ، وقال البخاري : إنه إمام الحديث ، وقال ابن الهمام إنه ثقة ثلاث مرات ، وقال حافظ الدنيا إنه ثقة وفي حفظه شيء ، وأما البيهقي فيتكلم فيه في كتابه الأسماء والصفات ، واعتمده في كتاب القراءة خلف الإمام ، فالعجب ، وعندي أنه من رواة الحسان ، كما في الميزان ، ويمكن أن يكون في حفظه شيء . انتهى كلامه بلفظه .

                                                                                                          قلت : جروح من جرح في ابن إسحاق كلها مدفوعة ، والحق أنه ثقة قابل للاحتجاج قال الفاضل اللكنوي في إمام الكلام : محمد بن إسحاق وإن كان متكلما فيه من جانب كثير من الأئمة لكن جروحهم لها محامل صحيحة ، وقد عارضها تعديل جمع من ثقات الأئمة ، ولذا صرح جمع من النقاد بأن حديثه لا ينحط عن درجة الحسن ، بل صححه بعض أهل الإسناد ، وقال في السعاية : والحق في ابن إسحاق هو التوثيق . انتهى . وقال ابن الهمام في فتح القدير : وهو - أي توثيق ابن إسحاق - هو الحق الأبلج ، وما نقل عن [ ص: 52 ] مالك لا يثبت ولو صح لم يقبله أهل العلم ، كيف وقد قال شعبة فيه : هو أمير المؤمنين في الحديث . وروى عنه مثل الثوري وابن إدريس وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وابن علية وعبد الوارث وابن المبارك ، واحتمله أحمد وابن معين وعامة أهل الحديث ، غفر الله لهم . إلى أن قال : وإن مالكا رجع عن الكلام في ابن إسحاق واصطلح معه وبعث إليه هدية . انتهى كلام ابن الهمام . فأما قول صاحب العرف الشذي : وأما البيهقي إلى قوله فالعجب ، فلم يذكر ما تكلم به البيهقي في الأسماء والصفات في ابن إسحاق حتى ينظر فيه أنه هو قابل للعجب أم لا؟ ولو سلم أنه قابل للعجب فصنيع العيني أعجب فإنه يتكلم في ابن إسحاق ويجرحه إذا وقع هو في إسناد حديث يخالف مذهب الحنفية ، ويوثقه ويعتمده إذا وقع في إسناد حديث يوافق مذهبهم . ألا ترى أنه قال في البناية في تضعيف حديث عبادة في القراءة خلف الإمام ما لفظه : في حديث عبادة محمد بن إسحاق بن يسار وهو مدلس ، قال النووي ليس فيه إلا التدليس ، قلت المدلس : إذا قال عن فلان لا يحتج بحديثه عند جميع المحدثين مع أنه كذبهمالك وضعفه أحمد ، وقال لا يصح الحديث عنه ، وقال أبو زرعة الرازي لا يصح الحديث عنه ، وقال أبو زرعة الرازي لا يقضى له بشيء . انتهى كلامه . فانظر كيف تكلم العيني في ابن إسحاق هاهنا . وقال في عمدة القاري في تصحيح حديث أبي هريرة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ومن أشار في الصلاة إشارة تفهم عنه فليعدها ما لفظه : إسناد هذا الحديث صحيح وتعليل ابن الجوزي بابن إسحاق ليس بشيء; لأن ابن إسحاق من الثقات الكبار عند الجمهور . انتهى كلام العيني . فانظر هاهنا كيف اعتمد على ابن إسحاق ولم يبال بتدليسه أيضا ، مع أنه روى هذا الحديث عن يعقوب بن عتبة بعن ، وكذلك صنيعه في عدة مواضع من كتابه . فاعتبروا يا أولي الأبصار .

                                                                                                          ( عن أبان بن صالح ) وثقه الأئمة ووهم ابن حزم فجهله ، وابن عبد البر فضعفه ، قاله الحافظ في التقريب .

                                                                                                          ( عن مجاهد ) هو ابن جبر : بفتح الجيم وسكون الموحدة ، أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي ، ثقة إمام في التفسير وفي العلم ، من أوساط التابعين ، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة ، وله ثلاث وثمانون .

                                                                                                          ( عن جابر ) هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام ، بمهملة وراء ، الأنصاري ثم السلمي; بفتحتين ، صحابي ابن صحابي ، غزا تسع عشرة غزوة ، ومات بالمدينة بعد السبعين ، وهو ابن أربع وتسعين .

                                                                                                          قوله : ( فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها ) استدل به من قال بجواز الاستقبال والاستدبار [ ص: 53 ] في الصحراء والبنيان ، وجعله ناسخا لأحاديث المنع ، وفيه ما سلف من أنها حكاية فعل لا عموم لها فيحتمل أن يكون لعذر .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي قتادة وعائشة وعمار ) أما حديث أبي قتادة : فأخرجه الترمذي بعد هذا ، وأما حديث عائشة : فأخرجه أحمد وقد تقدم لفظه ، وأما حديث عمار فأخرجه الطبراني في الكبير قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة بعد النهي لغائط أو بول . قال الهيثمي في مجمع الزوائد : فيه جعفر بن الزبير ، وقد أجمعوا على ضعفه .

                                                                                                          قوله : ( حديث جابر في هذا الباب حديث حسن غريب ) قال في المنتقى : رواه الخمسة إلا النسائي . انتهى . قال في النيل . وأخرجه أيضا البزار وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني وحسنه الترمذي ، ونقل عن البخاري تصحيحه وحسنه أيضا البزار وصححه أيضا ابن السكن ، وتوقف فيه النووي لعنعنة ابن إسحاق ، وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد وغيره ، وضعفه ابن عبد البر بأبان بن صالح القرشي ، قال الحافظ : ووهم في ذلك فإنه ثقة بالاتفاق ، وادعى ابن حزم أنه مجهول فغلط . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية