الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الرمل من الحجر إلى الحجر

                                                                                                          857 حدثنا علي بن خشرم أخبرنا عبد الله بن وهب عن مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا قال وفي الباب عن ابن عمر قال أبو عيسى حديث جابر حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم قال الشافعي إذا ترك الرمل عمدا فقد أساء ولا شيء عليه وإذا لم يرمل في الأشواط الثلاثة لم يرمل فيما بقي وقال بعض أهل العلم ليس على أهل مكة رمل ولا على من أحرم منها

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في الرمل من الحجر إلى الحجر ) أي من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود .

                                                                                                          قوله : ( رمل من الحجر إلى الحجر ثلاثا ) فيه بيان أن الرمل يشرع في جميع المطاف من الحجر إلى الحجر . وأما حديث ابن عباس الذي أخرجه مسلم قال : قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة وقد وهنتهم حمى يثرب ، قال المشركون إنه يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم [ ص: 504 ] الحمى ولقوا منها شدة ، فجلسوا مما يلي الحجر ، وأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين ليري المشركين جلدهم ، فقال المشركون هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم هؤلاء أجلد من كذا وكذا .

                                                                                                          قال ابن عباس : ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم فمنسوخ بحديث جابر هذا ؛ لأن حديث ابن عباس كان في عمرة القضاء سنة سبع قبل فتح مكة وحديث جابر هذا كان في حجة الوداع سنة عشر فوجب الأخذ بهذا المتأخر ، كذا قال النووي في شرح مسلم . وقيل في وجه استمرار شرعية الرمل مع زوال سببه : أن فاعل ذلك إذا فعله تذكر السبب الباعث على ذلك فيتذكر نعمة الله على إعزاز الإسلام وأهله .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن ابن عمر ) أخرجه مسلم .

                                                                                                          قوله : ( حديث جابر حديث صحيح ) وأخرجه مسلم .

                                                                                                          قوله : ( قال الشافعي إذا ترك الرمل عمدا فقد أساء ولا شيء عليه ) قال النووي : مذهب ابن عباس أن الرمل ليس بسنة وخالفه جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم فقالوا : هو سنة في الطوفات الثلاث من السبع فإن تركه فقد ترك سنة ، وفاته فضيلة ويصح طوافه ولا دم عليه ( وإذا لم يرمل في الأشواط الثلاثة لم يرمل فيما بقي ) قال الحافظ : لا يشرع تدارك الرمل فلو تركه في الثلاث لم يقضه في الأربع ؛ لأن هيئتها السكينة فلا تغير ، ويختص بالرجال فلا رمل على النساء ، ويختص بطواف يعقبه سعي على المشهور ، ولا فرق في استحبابه بين ماش وراكب ولا دم بتركه عند الجمهور ، واختلف عند المالكية .

                                                                                                          وقال الطبري : قد ثبت أن الشارع رمل ولا مشرك يومئذ بمكة يعني في حجة الوداع فعلم أنه من مناسك الحج إلا أن تاركه ليس تاركا لعمل ، بل لهيئة مخصوصة فكان كرفع الصوت بالتلبية ، فمن لبى خافضا صوته لم يكن تاركا للتلبية بل لصفتها ولا شيء عليه ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 505 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية