الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 477 ] باب النهي عن صيام يومي الفطر والأضحى وأيام التشريق

                                                                                                                                            قال الشافعي رضي الله عنه : " وأنهى عن صيام يوم الفطر ، ويوم الأضحى ، وأيام التشريق لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها . ولو صامها متمتع لا يجد هديا عنه عندنا ( قال المزني ) قد كان قال : يجزيه ثم رجع عنه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صيام سبعة أيام : العيدين وأيام منى ويوم الشك ويوم الجمعة .

                                                                                                                                            فأما العيدان فنهى عن صومهما نهي تحريم ، وأما أيام منى ، فقد كان الشافعي يذهب في القديم إلى جواز صيامها للمتمتع ، ثم رجع عنه في الجديد ، ومنع من صيامها للمتمتع وغيره ، وحرمها كالعيدين فلا يجوز صومها تطوعا ولا نذرا ، وقد تقدم الكلام مع أبي حنيفة في جواز صيامها نذرا ، وأما يوم الشك ، فقد ذكرنا معنى نهي الصوم فيه ، وأنه للكراهة لا للتحريم ، فأما يوم الجمعة فقد روى نهي صومه جابر وأبو هريرة ، فأما حديث جابر فرواه محمد بن عباد بن جعفر قال : رأيت جابرا في الطواف فقلت له : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة ؟ فقال : نعم ورب هذه الكعبة وأما أبو هريرة فروي عنه أنه قال : ما أنا نهيت عن صوم يوم الجمعة ورب الكعبة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه .

                                                                                                                                            فاختلف الناس في معنى هذا النهي .

                                                                                                                                            فقال بعضهم : لأنه يوم عيد كالفطر والأضحى . وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه : إنما ورد النهي فيمن أفرد صومه دون من وصله بغيره ، لما روي في حديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل عليها وهي صائمة يوم الجمعة [ ص: 478 ] فقال لها : " أصمت يوما قبله ؟ " فقالت : لا . فقال لها : " أتصومين يوما بعده ؟ " فقالت : لا . فقال : " فأفطري " ومذهب الشافعي رضي الله عنه أن معنى نهي الصوم فيه أنه يضعف عن حضور الجمعة والدعاء فيها ، فكان من أضعفه الصوم عن حضور الجمعة كان صومه مكروها ، فأما من لم يضعفه الصوم عن حضورها فلا بأس أن يصومه ، قد داوم رسول الله صلى الله عليه وسلم على صوم شعبان ، ومعلوم أن فيه جمعات كان يصومها كذلك رمضان فعلم أن معنى نهي الصوم فيه ما ذكرنا والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية