الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              369 - حاتم الأصم

              ومنهم الموثر للأدوم والأعم ، والآخذ بالألزم والأقوم أبو عبد الرحمن حاتم الأصم ، توكل فسكن وأيقن فركن .

              وقيل : إن التصوف التنقي من الشكوك والتوقي في السلوك .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عمر بن الحسن الحلبي ، ثنا محمد بن أبي عمران قال : سمعت حاتما الأصم - وكان من جملة أصحاب شقيق البلخي - وسأله رجل فقال : علام بنيت أمر هذا في التوكل ؟ قال : " على خصال أربع : علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي ، وعلمت أني لا أخلو من عين الله حيث كنت فأنا مستحي منه " .

              حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن أحمد الشاشي ، ثنا أبو عقيل الرصافي ، ثنا أحمد بن عبد الله قال : قيل لحاتم غلام شقيق : علام بنيت علمك ؟ قال : على أربع : على فرض لا يؤديه غيري فأنا به مشغول ، وعلمت أن رزقي لا يجاوزني إلى غيري فقد وثقت به ، وعلمت أني لا أخلو من عين الله طرفة عين فأنا منه مستحي ، وعلمت أن لي أجلا يبادرني فأبادره " .

              [ ص: 74 ] حدثنا أحمد بن محمد بن موسى ، ثنا أبو خليفة ، ثنا الرياشي ، قال : قيل للرشيد إن حاتما الأصم قد اعتزل الناس في قبة له منذ ثلاثين سنة لا يحتاج إلى الناس في شيء من أمور الدنيا ، ولا يكلمهم إلا عند مسألة لا بد له من الجواب لعله لبس به ، قد ورثته إياه الوحدة وقيل : إنه عاقل فقال : سأمتحنه فندب له أربعة ، محمد بن الحسن ، والكسائي ، وعمرو بن بحر ورجلا آخر أحسبه الأصمعي فجاءوا حتى وقفوا تحت قبته ، نادى أحدهم يا حاتم ، يا حاتم فلم يجبهم حتى قيل بحق معبودك إلا أجبتنا فأخرج رأسه ، وقال : " يا أهل الحيرة هذه يمين مؤمن لكافر ، وكافر لمؤمن لم خصصتموني بالمعبود دونكم ، ولكن الحق جرى على ألسنتكم ; لأنكم اشتغلتم بعبادة الرشيد عن طاعة الله ، فقال أحدهم : ما علمك بأنا خدام الرشيد ؟ قال : من لم يرض من الدنيا إلا بمثل حالكم لا يزل عن مطلبه إلى قصد من لا يخبره ولا يد علي من الرشيد وأشباهه ، فقال له عمرو بن بحر : لم اعتزلت الناس وفيهم من تعلم ، وفيهم من يقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قال : صدقت ولكن بينهم سلاطين الجور ، يفتنونا عن ديننا فالتخلي منهم أولى ، قال : فعلام وطنت نفسك في العزلة وثبت عليه أمرك ؟ قال : علمت أن القليل من الرزق يكفيني ، فأقللت الحركة في طلبه ، وأن فرضي لا يقبل إلا مني فأنا مشغول بأدائه ، وأن أجلي لا بد يأتيني فأنا منتظر له ، وأنا لا أغيب عن عين من خلقني فأستحي منه أن يراني وأنا مشغول بغير ما وجب له ، ثم رد باب القبة وحلف أن لا يكلمهم فرجعوا إلى الرشيد وقد حكموا أنه أعقل أهل زمانه " .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثني علوان بن الحسين الربعي ، ثنا رباح بن الهروي ، قال : مر عصام بن يوسف بحاتم الأصم وهو يتكلم في مجلسه ، فقال : يا حاتم تحسن تصلي ؟ قال : نعم ، قال : كيف تصلي ؟ قال حاتم : أقوم بالأمر وأمشي بالخشية ، وأدخل بالنية ، وأكبر بالعظمة ، وأقرأ بالترتيل والتفكر ، وأركع بالخشوع ، وأسجد بالتواضع ، وأجلس للتشهد بالتمام ، وأسلم بالسبل والسنة ، وأسلمها بالإخلاص إلى الله عز وجل وأرجع [ ص: 75 ] على نفسي بالخوف أخاف أن لا يقبل مني وأحفظه بالجهد إلى الموت ، قال : تكلم فأنت تحسن تصلي " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية