الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 749 ] ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائتين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في ربيع الأول منها اجتمع جماعة من القواد والجند على خلع المقتدر بالله وتولية عبد الله بن المعتز الخلافة عوضا عنه ، فأجابهم على أنه لا يسفك بسببه دم ، وكان المقتدر قد خرج للعب بالصوالجة فقصد إليه الحسين بن حمدان ، يريد أن يفتك به ، فلما سمع المقتدر الضجة بادر إلى دار الخلافة فأغلقها دون الجيش ، واجتمع القواد والأعيان والقضاة في دار الخلافة ، فبايعوا عبد الله بن المعتز وخوطب بالخلافة ولقب بالمرتضي بالله ، وقال الصولي : إنما لقبوه المنتصف بالله واستوزر أبا عبد الله محمد بن داود وبعث إلى المقتدر يأمره بالتحول من دار الخلافة إلى دار ابن طاهر لينتقل هو إليها ، فأجيب بالسمع والطاعة ، فركب الحسين بن حمدان من الغد إلى دار الخلافة ليتسلمها فقاتله الخدم ومن فيها ولم يسلموها إليه وهزموه فلم يقدر على تخليص أهله وبعض ماله إلا بالجهد الجهيد ، فلما قدر عليهم ارتحل من فوره إلى الموصل فتفرق نظام ابن المعتز وجماعته فأراد ابن المعتز أن يتحول إلى سامرا [ ص: 750 ] لينزلها فلم يتبعه أحد من الأمراء فدخل دار ابن الجصاص فاستجار به ، ووقع النهب في البلد واختبط الناس وبعث المقتدر إلى أصحاب ابن المعتز فقبض عليهم وقتل أكثرهم وأعاد ابن الفرات إلى الوزارة فجدد البيعة للمقتدر وأرسل إلى دار ابن الجصاص فكبسها وأحضر ابن المعتز وابن الجصاص فصادر ابن الجصاص بمال جزيل جدا ، يقال : إنه وزن ستة عشر ألف ألف درهم ثم أطلقه واعتقل ابن المعتز فلما دخل في ربيع الآخر ليلتان ظهر للناس موته وأخرجت جثته فسلمت إلى أهله فدفن ، وصفح المقتدر عن بقية من بقي في هذه الفتنة حتى لا تفسد نيات الناس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الجوزي : ولا يعرف خليفة خلع ثم أعيد سوى الأمين والمقتدر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم السبت لأربع بقين من ربيع الأول سقط ببغداد ثلج عظيم حتى اجتمع على الأسطحة منه نحو من أربعة أصابع وهذا يستغرب في بغداد جدا ولم تخرج السنة حتى خرج الناس للاستسقاء من تأخر المطر عن أيامه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شعبان منها خلع على مؤنس الخادم وأمر بالمسير إلى طرسوس لغزو الروم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة أمر المقتدر بأن لا يستخدم أحد من اليهود والنصارى في الدواوين وألزموا بيوتهم وأمروا بلبس العسلي وجعل الرقاع بين أظهرهم [ ص: 751 ] ليعرفوا بها وألزموا بالذل حيث كانوا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي ورجع كثير من الناس من قلة الماء بالطريق ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية