الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع التاسع والثلاثون : معرفة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين

هذا علم كبير قد ألف الناس فيه كتبا كثيرة ، ومن أحلاها [ ص: 292 ] وأكثرها فوائد ‏كتاب " الاستيعاب " لابن عبد البر‏ ، لولا ما شانه به من إيراده كثيرا مما شجر بين الصحابة ، وحكاياته عن الأخباريين لا المحدثين‏ ، وغالب على الأخباريين الإكثار والتخليط فيما يروونه‏ . ‏

[ ص: 293 ] وأنا أورد نكتا نافعة - إن شاء الله تعالى - قد كان ينبغي لمصنفي كتب الصحابة أن يتوجوها بها ، مقدمين لها في فواتحها‏ :

إحداها‏ : اختلف أهل العلم في أن الصحابي من ؟ فالمعروف من طريقة أهل الحديث أن كل مسلم رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو من الصحابة . ‏

قال ‏البخاري‏ في ‏صحيحه‏ ‏‏ : " من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رآه من المسلمين ، فهو من أصحابه‏ . ‏

وبلغنا عن ‏أبي المظفر السمعاني المروزي‏ أنه قال : " أصحاب الحديث يطلقون اسم الصحابة على كل من روى عنه حديثا أو كلمة ، ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من الصحابة ، وهذا لشرف منزلة النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطوا كل من رآه حكم الصحبة‏ " . ‏

وذكر‏ أن اسم الصحابي - من حيث اللغة ، والظاهر - يقع على من طالت صحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكثرت مجالسته له على طريق التبع له والأخذ عنه‏ ، قال : " وهذا طريق الأصوليين‏ " . ‏

قلت‏ : وقد روينا عن ‏سعيد بن المسيب‏ ‏‏ أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة أو سنتين ، وغزا معه غزوة أو غزوتين‏ ، وكأن المراد بهذا - إن صح عنه - راجع إلى المحكي عن الأصوليين‏ . ‏

[ ص: 294 ] ولكن في عبارته ضيق يوجب ألا يعد من الصحابة جرير بن عبد الله البجلي ومن شاركه في فقد ظاهر ما اشترطه فيهم ، ممن لا نعرف خلافا في عده من الصحابة . ‏

وروينا عن شعبة عن موسى السبلاني - وأثني عليه خيرا - قال : أتيت أنس بن مالك فقلت‏ : هل بقي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد غيرك ؟ قال : " بقي ناس من الأعراب قد رأوه ، فأما من صحبه فلا‏ " . ‏ إسناده جيد ، حدث به ‏مسلم‏ بحضرة ‏أبي زرعة‏ ‏‏ . ‏

ثم إن كون الواحد منهم صحابيا تارة يعرف بالتواتر ، وتارة بالاستفاضة القاصرة عن التواتر ، وتارة بأن يروى عن آحاد الصحابة أنه صحابي ، وتارة بقوله وإخباره عن نفسه - بعد ثبوت عدالته - بأنه صحابي ، والله أعلم‏ . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية