الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ من الرسول على هوازن ]

ثم أتاه وفد هوازن بالجعرانة وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي ، هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ، ومن الإبل والشاء ما لا يدرى ما عدته .

قال ابن إسحاق : فحدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عمرو : أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا ، فقالوا : يا رسول الله إنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك ، فامنن علينا ، من الله عليك . قال : وقام رجل من هوازن ، ثم أحد بني سعد بن بكر ، يقال له زهير ، يكنى أبا صرد ، فقال : يا رسول الله ، إنما في الحظائر عماتك [ ص: 489 ] وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك ، ولو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر ، أو للنعمان بن المنذر ، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به ، رجونا عطفه وعائدته علينا ، وأنت خير المكفولين .

قال ابن هشام : ويروى ولو أنا مالحنا الحارث بن أبي شمر ، أو النعمان بن المنذر . قال ابن إسحاق : حدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عمرو ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم ؟ فقالوا : يا رسول الله ، خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا ، بل ترد إلينا نساءنا وأبناءنا ، فهو أحب إلينا ، فقال لهم : أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ، وإذا ما أنا صليت الظهر بالناس ، فقوموا فقولوا : إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين ، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا ، فسأعطيكم عند ذلك ، وأسأل لكم ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر ، قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم . فقال المهاجرون : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وقالت الأنصار : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال الأقرع بن حابس : أما أنا وبنو تميم فلا . وقال عيينة بن حصن : أما أنا وبنو فزارة فلا . وقال عباس بن مرداس : أما أنا وبنو سليم فلا . فقالت بنو سليم : بلى ، ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : يقول عباس بن مرداس لبني سليم : وهنتموني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي [ ص: 490 ] فله بكل إنسان ست فرائض ، من أول سبي أصيبه ، فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم .

قال ابن إسحاق : وحدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه جارية ، يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر وأعطى عثمان بن عفان جارية ، يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان ، وأعطى عمر بن الخطاب جارية ، فوهبها لعبد الله بن عمر ابنه . قال ابن إسحاق : فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، قال : بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح ، ليصلحوا لي منها ، ويهيئوها ، حتى أطوف بالبيت ، ثم آتيهم ، وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها . قال : فخرجت من المسجد حين فرغت ، فإذا الناس يشتدون ؛ فقلت : ما شأنكم ؟ قالوا : رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا ، فقلت : تلكم صاحبتكم في بني جمح فاذهبوا فخذوها ، فذهبوا إليها ، فأخذوها .

قال ابن إسحاق : وأما عيينة بن حصن ، فأخذ عجوزا من عجائز هوازن ، وقال حين أخذها : أرى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا ، وعسى أن يعظم فداؤها . فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض ، أبى أن يردها ، فقال له زهير أبو صرد : خذها عنك ، فوالله ما فوها ببارد ، ولا ثديها بناهد ، ولا بطنها بوالد ، ولا زوجها بواجد ، ولا درها بماكد فردها بست فرائض حين قال له زهير ما قال ، فزعموا أن عيينة لقي الأقرع بن حابس ، فشكا إليه ذلك ، فقال : إنك والله ما أخذتها بيضاء غريرة ، ولا نصفا وثيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية