الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ومن أصبح جنبا من جماع أو احتلام اغتسل وأتم صومه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من جماع ثم يصوم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما من يصبح جنبا من احتلام فهو على صومه إجماعا ، وكذلك لو احتلم نهارا كان على صومه باتفاق العلماء ، فأما من أصبح جنبا من جماع كان في الليل ، فعند جماعة الفقهاء أنه على صومه يغتسل ويجزئه .

                                                                                                                                            وحكي عن أبي هريرة والحسين بن صالح بن حي : أن صومه قد فسد لما رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه قال : " من أصبح جنبا من جماع فلا صوم له " والدلالة على صحة صومه ، قوله تعالى : فالآن باشروهن إلى قوله من الفجر ثم أتموا الصيام [ البقرة : 187 ] وكان السبب في نزول هذه الآية ، أن الله تعالى كان قد حرم على الناس الأكل والجماع في ليل الصيام بعد صلاة العشاء وبعد النوم ، حتى روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يأتي امرأته في ليلة من شهر رمضان فقالت : إني صليت العشاء فواقعها وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فنزل قوله تعالى : أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم [ البقرة : 187 ] الآية وروى البراء بن عازب أن صرمة بن قيس وكان شيخا [ ص: 415 ] من الأنصار أتى منزله ، ولم يهيأ إفطاره فغلبته عيناه ثم أتي بالطعام ، وقد نام فلم يأكل وأصبح طاويا ، خرج إلى ضيعته فعمل فيها فغشي عليه ، وخاف التلف فنزل قوله تعالى : وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر [ البقرة : 187 ] فلما أباح الله تعالى الأكل والجماع إلى طلوع الفجر ، ولم يستثن زمان الغسل علم أنه لا يفسد الصوم ، وروت عائشة وأم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من جماع ، لا من احتلام ويصوم وروت عائشة رضي الله عنها أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب فقال له : إني أصبح جنبا وأنا أريد الصوم ، فقال : " وأنا أصبح جنبا وأريد الصوم " ، ثم قال : إنك لست مثلنا إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله عز وجل وأعلمكم بما أتقي " وأيضا فإن الغسل عن الوطء كالشبع والري عن الطعام والشراب ، ثم كان هذا غير مفسد للصوم كذلك غسل الجنابة ؛ لأنه ثمرة فعل مباح .

                                                                                                                                            فأما حديث أبي هريرة فغير ثابت ، وإن صح فقد رجع عنه أبو هريرة وروى أبو بكر بن عبد الرحمن قال : دخلت مع أبي ، على مروان فتذاكرنا الجنابة في الصوم ، فقال مروان : حدثني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أصبح جنبا من جماع فلا صوم له " ثم أقسم مروان علينا أن نسأل عائشة وأم سلمة عن ذلك فقالتا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع ، لا من احتلام ويتم صومه فأقسم علينا مروان أن نلقى أبا هريرة فلقيناه ، فأخبرناه بما جرى فقال أخبرني بذلك مخبر وروى أنه قال أخبرني بذلك الفضل ، وهو أعلم به ، وكان الفضل ميتا وما كان بهذه المثابة لم يصح التعلق به وروى سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رجع عنه قبل موته والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية