الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء وعلى الذين يطيقونه

                                                                                                          798 حدثنا قتيبة حدثنا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة بن الأكوع قال لما نزلت وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب ويزيد هو ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء وعلى الذين يطيقونه ) أي باب ما جاء في أن قوله تعالى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين منسوخ .

                                                                                                          قوله : ( لما نزلت : وعلى الذين يطيقونه ) أي الصوم إن أفطروا ( فدية ) مرفوع علة الابتداء وخبره مقدم هو قوله : وعلى الذين وقراءة العامة فدية بالتنوين وهي الجزاء والبدل من قولك فديت الشيء بالشيء أي هذا بهذا ، قاله العيني ( طعام مسكين ) بيان لفدية أو بدل منها ، وهو نصف صاع من بر أو صاع من غيره عند أهل العراق ، وعند أهل الحجاز مد ، قاله العيني .

                                                                                                          ( كان من أراد أن يفطر ويفتدي ) كذا وقع في رواية الترمذي وفي رواية الشيخين ، ووقع في رواية أبي داود كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي فعل ، وهذه الرواية هي مفسرة لرواية الترمذي والشيخين ، وفي رواية لمسلم : كنا في رمضان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين حتى أنزلت هذه الآية فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان ( حتى نزلت الآية التي بعدها ) أي فمن شهد منكم الشهر فليصمه كما في رواية مسلم المذكورة ( فنسختها ) أي فنسخت الثانية الأولى ، وهذا الحديث دليل صريح على أن قوله تعالى : وعلى الذين يطيقونه منسوخ وهو قول الجمهور وهو الحق . ويدل عليه صراحة ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر أنه قرأ فدية طعام مسكين قال هي منسوخة . قال الحافظ في الفتح : وقد أخرجه الطبري من طريق عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله بن عمر بلفظ : نسخت هذه الآية وعلى الذين يطيقونه التي بعدها فمن شهد منكم الشهر فليصمه ، انتهى .

                                                                                                          وفي صحيح البخاري : قال ابن نمير حدثنا الأعمش ، حدثنا عمرو بن مرة ، حدثنا ابن أبي ليلى ، حدثنا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- : نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم عمن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها وأن تصوموا خير لكم فأمروا بالصوم .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : واتفقت هذه الأخبار يعني رواية سلمة وابن عمر وابن أبي ليلى على أن قوله : وعلى الذين يطيقونه فدية منسوخ ، وخالف في ذلك ابن عباس فذهب إلى أنها محكمة لكنها مخصوصة بالشيخ الكبير ونحوه ، انتهى .

                                                                                                          قلت : مذهب ابن عباس هذا مبني على أنه قرأ ( يطوقونه ) بصيغة المجهول من التطويق ، وهي قراءة ابن مسعود أيضا كما صرح به الحافظ ، وقراءة العامة يطيقونه من أطاق يطيق . روى البخاري في صحيحه عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ ( وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين ) قال ابن عباس : ليست بمنسوخة هو للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكينا . قال الحافظ في الفتح : قوله : ( يطوقونه ) بفتح الطاء وتشديد الواو مبنيا للمفعول مخفف الطاء من طوق بضم أوله بوزن قطع وهذه قراءة ابن مسعود أيضا : وقد وقع عند النسائي من طريق ابن أبي نجيح عمرو بن دينار ( يطوقونه ) يكلفونه وهو تفسير حسن أي يكلفون إطاقته ، انتهى .

                                                                                                          وقال فيه أيضا : ورجح ابن المنذر النسخ من جهة قوله : وأن تصوموا خير لكم قال : لأنها لو كانت في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام لم يناسب أن يقال له وأن تصوموا خير لكم مع أنه لا يطيق الصيام ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ( ويزيد هو ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع ) ، ثقة من الرابعة .

                                                                                                          [ ص: 430 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية