الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 397 ] باب النية في الصوم

                                                                                                                                            قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا يجوز لأحد صيام فرض من شهر رمضان ولا نذر ولا كفارة إلا أن ينوي الصيام قبل الفجر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما صيام النذر والكفارة ، فلا بد فيه من نية من الليل إجماعا فأما صيام رمضان فقد حكي عن زفر بن الهذيل ، أنه قال لا يفتقر إلى نية تعلقا بقوله تعالى : فمن شهد منكم الشهر فليصمه [ البقرة : 85 ] فأمر بصيامه ، ولم يأمر فيه بالنية قال : ولأن صوم رمضان مستحق الصوم يمنع من إيقاع غيره فيه ، فلم يفتقر إلى نية ، كالعيدين وأيام التشريق لما كان الفطر فيهما مستحقا ، لم يحتج إلى نية ، وذهب الشافعي وسائر الفقهاء إلى وجوب النية في شهر رمضان لقوله تعالى : وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى [ الليل : 19 ، 20 ] ، فأخبر أن المجازاة لا تقع بمجرد الفعل حتى يبتغي به الفاعل وجه الله تعالى بإخلاص النية ، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إنما الأعمال بالنيات فنفى العمل إلا بنية وقال صلى الله عليه وسلم : لا يقبل الله عملا بغير نية .

                                                                                                                                            وروت حفصة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل

                                                                                                                                            وروي لمن لم يبيت الصيام من الليل .

                                                                                                                                            [ ص: 398 ] وروي لمن لم ينو الصيام قبل الفجر ، ولأن الصوم عبادة تتنوع فرضا ونفلا ، فوجب أن تكون النية من شرطها كالصلاة ، ولأن الصوم هو الإمساك ، والإمساك قد يقع تارة عبادة وتارة عادة ، فالعادة أن يمتنع من الأكل طول يومه لتصرفه بأشغاله ، أو تقدم ما يأكله فلم يكن بد من نية تميز بين إمساك العادة ، وإمساك العبادة ، فأما الآية فلا دليل فيها على سقوط النية لأنها مجملة ، وقد وردت السنة ببيانها وهي الأخبار الواردة في وجوب النية ، وأما الاستدلال بقوله : إنه مستحق الصيام فيه ، فالجواب عنه من وجهين :

                                                                                                                                            [ ص: 399 ] أحدهما : إنه فاسد بمن بقي عليه من وقت الصلاة قدر ما يؤديها فيه ، فقد استحق زمانها عليه ، ومنع من إيقاع غيرها فيه ، ثم النية فيه واجبة فدل على فساد هذا الاستدلال .

                                                                                                                                            [ ص: 400 ] والثاني : أن إيقاع غيره فيه لا يمنع لأنا قد نرى الإفطار يتخلله ، وفطر العيدين لما كان مستحقا يمتنع من إيقاع غيره فيه لم يتخلله غيره ، لاستحالة الصوم فيه ، فلم يصح الجمع بينهما ، وثبت ما ذكرنا من وجوب النية فيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية