الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 160 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - باب ما يفسد الماء من النجاسة وما لا يفسده ( إذا وقعت في الماء نجاسة لا يخلو : إما أن يكون راكدا أو جاريا أو بعضه راكدا وبعضه جاريا ، فإن كان راكدا نظرت في النجاسة ، فإن كانت نجاسة يدركها الطرف من خمر أو بول أو ميتة لها نفس سائلة ; نظرت ، فإن تغير أحد أوصاف الماء من طعم أو لون أو رائحة بالنجاسة . فهو نجس لقوله صلى الله عليه وسلم : { الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه } فنص على الطعم والريح ، وقسنا اللون عليهما ; لأنه في معناهما ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الحكم الذي ذكره وهو نجاسة الماء المتغير بنجاسة مجمع عليه ، قال ابن المنذر : أجمعوا أن الماء القليل أو الكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت طعما أو لونا أو ريحا ، فهو نجس ، ونقل الإجماع كذلك جماعات من أصحابنا وغيرهم ، وسواء كان الماء جاريا أو راكدا قليلا أو كثيرا ، تغير تغيرا فاحشا أو يسيرا ، طعمه أو لونه أو ريحه ، فكله نجس بالإجماع ، وقد سبق في المتغير بطاهر : أنه لا يعتبر التغير اليسير على الأصح ، وأنه يعتبر تغير الأوصاف الثلاثة على قول ضعيف ، وتقدم الفرق ، ويستثنى مما ذكرناه ما إذا تغير الماء بميتة لا نفس لها سائلة كثرت فيه ، فإنه لا ينجس عن وجه ضعيف مع قولنا بنجاسة هذا الحيوان ، لكن لما كان هذا الوجه ضعيفا لم يلتفت الأصحاب إليه فلم يستثنوه ، وأما الحديث الذي ذكره المصنف فضعيف لا يصح الاحتجاج به ، وقد رواه ابن ماجه والبيهقي من رواية أبي أمامة وذكرا فيه : طعمه أو ريحه أو لونه ، واتفقوا على ضعفه ، ونقل الإمام الشافعي - رحمه الله - تضعيفه عن أهل العلم بالحديث ، وبين البيهقي ضعفه ، وهذا الضعف في آخره وهو الاستثناء .

                                      وأما قوله : الماء طهور لا ينجسه شيء فصحيح من رواية أبي سعيد الخدري وسبق بيانه في أول الباب الأول ، وإذا علم ضعف الحديث تعين [ ص: 161 ] الاحتجاج بالإجماع كما قاله البيهقي وغيره من الأئمة ، وقد أشار إليه الشافعي أيضا فقال : الحديث لا يثبت أهل الحديث مثله ولكنه قول العامة لا أعلم بينهم فيه خلافا ، وأما قول المصنف : فنص على الطعم والريح وقسنا اللون عليهما فكأنه قاله ; لأنه لم يقف على الرواية التي فيها اللون وهي موجودة في سنن ابن ماجه والبيهقي كما قدمنا ، فإن قيل : لعله رآها فتركها لضعفها ، قلنا : هذا لا يصح ; لأنه لو راعى الضعف واجتنبه لترك جملة الحديث لضعفه المتفق عليه ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) لو وقعت جيفة في ماء كثير فتروح بها بالمجاورة ولم ينحل منها شيء فوجهان . الصحيح الذي صرح به كثيرون واقتضاه كلام الباقين : أنه نجس ، ونقله إمام الحرمين عن دلالة كلام الأئمة وصححه ; لأنه يعد متغيرا بالنجاسة ومستقذرا ، وقال الشيخ أبو محمد : طاهر ; لأنه مجاور فأشبه الجيفة خارج الماء




                                      الخدمات العلمية