الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
486 [ ص: 19 ] حديث خامس لسمي

مالك عن سمي مولى أبي بكر ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك .

التالي السابق


في هذا الحديث دليل على أن الذكر أفضل الأعمال ، ألا ترى أن هذا الكلام إذا قيل مائة مرة يعدل عشر رقاب إلى ما ذكر فيه من الحسنات ومحو السيئات ؟ وهذا أمر كثير ، فسبحان المتفضل المنعم لا إله إلا هو العليم الخبير ! .

ومن هذا الباب على ما قلنا قول أبي الدرداء : ألا أدلكم أو أخبركم بخير أعمالكم وأرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم ، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ، وخير من كثير من الصدقة والصوم ، وخير من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ، قالوا : بلى ، قال : ذكر الله .

وقال معاذ بن جبل : ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله . وقالوا : ذكر الله خير من حطم السيوف في سبيل الله . [ ص: 20 ] وقال سعيد بن المسيب وغيره في قول الله - عز وجل - : ( والباقيات الصالحات ) هي قول : لا إله إلا الله ، والحمد لله ، وسبحان الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وقال الله - عز وجل - : ( خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) ، فحسبك بما في الكتاب والسنة من فضل الذكر ، وفقنا الله وحبب إلينا طاعته وأعاننا عليها بفضله ورحمته آمين .

وهذا وما كان مثله يوضح لك أن الكلام بالخير من ذكر الله وتلاوة القرآن وأعمال البر أفضل من الصمت ، وكذلك القول بالحق كله والإصلاح بين الناس وما كان مثله ، وإنما الصمت المحمود الصمت عن الباطل .

ذكر معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( والذين هم عن اللغو معرضون ) قال : عن الباطل . وقال قتادة في قوله : ( وإذا مروا باللغو مروا كراما ) قال : لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم ، ولا يمالئونهم . وقال مجاهد : إذا أوذوا صفحوا .

وروى محمد بن يزيد بن خنيس عن سفيان ، عن سعيد بن حسان ، عن أم صالح ، عن صفية بنت شيبة ، عن أم حبيبة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كلام ابن آدم عليه لا له ، إلا أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر ، أو ذكر الله قال [ ص: 21 ] ابن خنيس : فتعجب القوم ، فقال سفيان : مم تعجبون ؟ أليس الله يقول ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) ، وقال ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) ؟

قال أبو عمر : مما يبين لك أن الكلام بالخير والذكر أفضل من الصمت أن فضائل الذكر الثابتة في الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يستحقها الصامت .

روى شعبة عن الحكم عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير مائة مرة إذا أصبح ، ومائة مرة إذا أمسى ، لم يجئ أحد بأفضل من عمله إلا من قال أفضل من ذلك .




الخدمات العلمية