الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
196 حديث ثالث لسمي

مالك ، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا قال الإمام : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقولوا : آمين ; فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه .

التالي السابق


هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته بهذا الإسناد ، وروى ابن وهب فيه عن مالك إسنادا آخر ، عن نعيم بن عبد الله المجمر ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا قال الإمام : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ ص: 16 ] فقولوا : آمين ; فإنه من وافق قوله من أهل الأرض قول أهل السماء ، غفر له ما تقدم من ذنبه .

في هذا الحديث دليل على أن الإمام لا يقول : آمين ، وأن المأموم يقولها دونه ، وهذا الحديث يفسر عند أصحابنا قوله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أمن الإمام فأمنوا ، يريد إذا دعا بقوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) إلى آخر السورة ; لأن الداعي يسمى مؤمنا كما يسمى المؤمن داعيا ، واستدلوا بقول الله - عز وجل - لموسى وهارون ( قد أجيبت دعوتكما ) ، وإنما كان هارون مؤمنا وموسى الداعي فيما قال أهل العلم بتأويل القرآن .

وقال بعض من يقول بأن الإمام يقول آمين : إذا قال ( ولا الضالين ) لم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما جاء عنه في هذا الحديث أن الإمام لا يقول آمين ; لأنه قد صح عنه قوله : إذا أمن الإمام فأمنوا ، وصح عنه أنه كان إذا قال : ( ولا الضالين ) قال : آمين ، ورفع بها صوته ، وإنما أراد بما جاء عنه في حديث سمي هذا أن يعرفهم بالموضع الذي يقولون فيه آمين ، وهو إذا قال الإمام ( ولا الضالين ) ، ليكون قولهما معا ولا يتقدموه بقول آمين ، والله أعلم .

واحتجوا بقول بلال : يا رسول الله ، لا تسبقني بآمين ، وقد مضى هذا الخبر فيما سلف من هذا الكتاب في باب أبي الزناد وباب ابن شهاب ومضى [ ص: 17 ] من القول في معنى هذا الحديث هناك ما فيه كفاية والحمد لله .

وفي هذا الحديث دلالة على أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام إذا جهر لا بأم القرآن ولا بغيرها ; لأن القراءة بها لو كانت عليهم لأمرهم إذا فرغوا من فاتحة الكتاب أن يؤمن كل واحد منهم بعد فراغه من قراءته ; لأن السنة فيمن قرأ بأم القرآن أن يؤمن عند فراغه منها ، ومعلوم أن المأمومين إذا اشتغلوا بالقراءة خلف الإمام لم يكادوا يسمعون فراغه من قراءة فاتحة الكتاب ، فكيف يؤمرون بالتأمين عند قول الإمام ( ولا الضالين ) ويؤمرون بالاشتغال عن استماع ذلك ؟ ! هذا ما لا يصح .

وقد أجمع العلماء على أنه لا يقرأ مع الإمام فيما جهر فيه بغير فاتحة الكتاب ، والقياس أن فاتحة الكتاب وغيرها سواء في هذا الموضع ; لأن عليهم إذا فرغ إمامهم منها أن يؤمنوا ، فوجب عليهم أن لا يشتغلوا بغير الاستماع ، والله أعلم .

‌ ‌وأجمع العلماء على أن مراد الله - عز وجل - من قوله : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) يعني في الصلاة ، وقد مضى القول في معنى هذا الحديث كله ، واختلاف العلماء في تأمين الإمام وحجة كل فريق منهم من جهة الأثر والنظر في ذلك ممهدا مبسوطا في باب ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة من هذا الكتاب ، فلا معنى لتكرير ذلك هاهنا .




الخدمات العلمية