الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 540 ] ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومائتين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في يوم الإثنين لعشر بقين من ربيع الأول عقد الخليفة المعتمد على الله لأخيه أبي أحمد على ديار مضر وقنسرين والعواصم وجلس يوم الخميس مستهل ربيع الآخر ، فخلع على أخيه وعلى مفلح ، وركبا نحو البصرة في جيش كثيف في عدد وعدد ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل مفلح للنصف من جمادى الأولى ، أصابه سهم بلا نصل في صدره ، فأصبح ميتا ، وحملت جثته إلى سامرا ودفن بها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أسر يحيى بن محمد البحراني ; أحد أمراء صاحب الزنج الكبار ، وحمل إلى سامرا ، فضرب بين يدي المعتمد مائتي سوط ، ثم قطعت يداه ورجلاه من خلاف ، ثم خبط بالسيوف ثم ذبح ثم أحرق ، وكان الذين أسروه جيش أبي أحمد في وقعة هائلة مع الزنج ، قبحهم الله . ولما بلغ خبره صاحب الزنج أسف على ذلك ، ثم قال : لقد خوطبت فيه ، فقيل لي : قتله كان خيرا لك ; لأنه كان شرها يخفي من المغانم خيارها . وقد كان هذا اللعين - أعني صاحب الزنج المدعى إلى غير أبيه يقول لأصحابه : لقد عرضت علي النبوة فخفت أن لا أقوم بأعبائها ، فلم أقبلها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 541 ] وفي ربيع الآخر منها وصل سعيد بن أحمد الباهلي إلى باب السلطان ، فضرب سبعمائة سوط حتى مات ، ثم صلب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قتل قاض وأربعة وعشرون رجلا من أصحاب صاحب الزنج عند باب العامة بسامرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها رجع محمد بن واصل إلى طاعة السلطان ، وحمل خراج فارس وتمهدت الأمور هناك ، واستقلت على السداد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أواخر رجب كانت بين أبي أحمد وبين الزنج وقعة هائلة ، قتل فيها خلق من الفريقين ، ثم استوخم أبو أحمد منزله ، فتحيز إلى واسط فنزلها في أوائل شعبان ، فوقعت هناك زلزلة شديدة وهدة عظيمة ، تهدمت بسبب ذلك دور كثيرة ، ومات من الناس نحو من عشرين ألفا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة وقع في الناس وباء شديد ببغداد وسامرا وواسط وغيرها من البلاد . وحصل للناس ببغداد داء يقال له : القفاع . فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الخميس لسبع خلون من رمضان ، أخذ رجل من باب العامة بسامرا ذكر عنه أنه يسب السلف ، فضرب ألف سوط حتى مات .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الجمعة ثامنه توفي الأمير يارجوخ ، فصلى عليه أخو الخليفة أبو عيسى وحضره جعفر بن المعتمد على الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كانت وقعة هائلة بين موسى بن بغا وبين أصحاب الحسن بن زيد [ ص: 542 ] ببلاد خراسان فهزمهم موسى بن بغا هزيمة فظيعة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كانت وقعة بين مسرور البلخي وبين مساور الخارجي ، فأسر مسرور من أصحابه جماعة كثيرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها حج بالناس الفضل بن إسحاق المتقدم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية