الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 256 ] اعتمال العقل

ومن رزق عقلا فاعتمل عقله فيما فتح له من الباب فعقد قلبه على طاعة الناصح الرشيد وهو العقل الدال على الله تعالى وعلى مراشد أموره فلم يزل العقل يمهد له ويزين له ويدبره بالأخلاق الكريمة والأعمال السنية والأفعال المرضية والأقوال البهية والإشارات الشهية والمراتب العلية حتى وقفه على حد الأمانة فصار أمين الله تعالى في أرضه بلغ سره ومحل نجواه ومعدن حكمته وخزانة جوهره علت في المرتبة وأقام بالباب يلازم الليل والنهار ولا يبرح مكانه وأخذ من الحظوظ حظا صار عند الملك وجيها كلما شاء دخل عليه بلا إذن وأينما شاء قعد في مجالسه من الاقتراب والدنو فائتمنه على خزانته ووضع عنده تدبيره وأسراره ونفذ حكمه في ملكه فيقسم عليه فيبر قسمه ويتمنى [ ص: 257 ] فيسعفه بمناه ويشاء ويريد فيمضي مشيئاته وإراداته وهذا في دار الدنيا حتى إذا قدم عليه فيا له من مقدم لا يحاط بوصفه من سروره بلقاء الله تعالى وتمكنه من معالي الدرجات والمصير إليه في الفردوس الأعلى زائرا لا يحجب في النظر ولا يؤخر ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يعجبنكم إسلام أحد حتى تعلموا ما عقدة عقله فالإسلام ظاهر وعقده العقل باطن مستور عن الخلق فمن اعتبر بما رأى من ظاهر الإسلام من نفسه أو من غيره فهو مغبون حتى يعلم على أي شيء عقده العقل فواحد قد فتح له الباب ورزقه العقل فاطلع مطلعه وقيل ما عرض عليه ثم ولا يظهره وأقبل على نفسه مكبا على وجهه لقضاء الشهوات في عاجل الدنيا فصارت عقدة عقله طلب النهمات وأحوال النفس يخادع الله ويعمل في العبودة بالجزاف والغفلة والشايذبوذ على التجويز ويتمنى الكرامات على الله تعالى ومعالي الدرجات ويعد تلك الأماني من نفسه رجاء [ ص: 258 ] ويقول أرجو ربي وأحسن الظن به وإنما هو أماني وليس برجاء وقال الله جل ذكره ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا

التالي السابق


الخدمات العلمية