الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 493 ] ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين ومائتين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في رجب منها عقد المعتز لموسى بن بغا الكبير على جيش قريب من أربعة آلاف ; ليذهبوا إلى قتال عبد العزيز بن أبي دلف بناحية همذان ; وذلك لأنه خرج عن الطاعة ، وهو في نحو من عشرين ألفا ، فهزموا عبد العزيز في أواخر هذا الشهر هزيمة فظيعة . ثم كانت بينهما وقعة أخرى في رمضان عند الكرج فهزم عبد العزيز أيضا ، وقتل من أصحابه بشر كثير ، وأسروا ذراري كثيرة حتى أسروا أم عبد العزيز ، وبعثوا إلى الخليفة سبعين حملا من الرءوس وأعلاما كثيرة ، وأخذ من عبد العزيز ما كان استحوذ عليه من بلاد الخليفة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رمضان منها خلع المعتز على بغا الشرابي وألبسه التاج والوشاحين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم عيد الفطر كانت وقعة هائلة عند البوازيج ; وذلك أن رجلا يقال له : مساور بن عبد الحميد حكم فيها والتف عليه نحو من سبعمائة من [ ص: 494 ] الخوارج ، فقصد له رجل يقال له : بندار الطبري . في نحو ثلاثمائة من أصحابه ، فالتقوا في هذا اليوم فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل من الخوارج نحو من خمسين ، وقتل من أصحاب بندار مائتان ، وقيل : وخمسون رجلا . وقتل بندار في من قتل ، رحمه الله . ثم صمد مساور إلى حلوان فقاتله أهلها ، وأعانهم حجاج أهل خرسان ، فقتل مساور منهم نحوا من أربعمائة إنسان ، قبحه الله . وقتل من أصحابه جماعة كثيرون أيضا . ولثلاث بقين من شوال قتل وصيف التركي وأرادت العامة أن تنهب داره بسامرا ودور أولاده ، فلم يمكنهم ذلك ، وجعل الخليفة المعتز ما كان إليه إلى بغا الشرابي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ليلة أربع عشرة من ذي القعدة من هذه السنة خسف القمر حتى غاب أكثره وغرق نوره ، وعند انتهاء خسوفه مات محمد بن عبد الله بن طاهر نائب العراق ببغداد . وكانت علته قروحا في رأسه وحلقه فذبحته ، ولما أتي به ليصلى عليه اختلف أخوه عبيد الله وابنه طاهر ، أيهما يصلي عليه ، وتنازعا حتى جذبت السيوف وترامى الناس بالحجارة ، وصاحت الغوغاء : يا طاهر ، يا منصور . فمال عبيد الله إلى الشرقية ومعه القواد وأكابر الناس ، فدخل داره وكان أخوه قد أوصى إليه . وحين بلغ المعتز ما وقع بعث بالخلع والولاية إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر ، فأطلق عبيد الله للذي قدم بالخلع خمسين ألف درهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها نفى الخليفة المعتز أخاه أبا أحمد من سر من رأى إلى واسط ثم إلى [ ص: 495 ] البصرة ثم رد إلى بغداد فأنزل في الشرقية في قصر دينار بن عبد الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها نفي علي ابن المعتصم إلى واسط ثم رد إلى بغداد أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الإثنين سلخ ذي القعدة التقى موسى بن بغا الكبير هو والحسين بن أحمد الكوكبي الطالبي الذي خرج في سنة إحدى وخمسين عند قزوين فاقتتلا قتالا شديدا ، ثم هزم الكوكبي وأخذ موسى بن بغا قزوين وهرب الكوكبي إلى الديلم . وذكر ابن جرير عن بعض من حضر هذه الوقعة أن الكوكبي حين التقى أمر أصحابه أن يتترسوا بالحجف ، وكانت السهام لا تعمل فيهم ، فأمر موسى بن بغا أصحابه عند ذلك أن يطرحوا ما معهم من النفط بالأرض ، ثم جاولوهم وأروهم أنهم قد انهزموا منهم ، فتبعهم أصحاب الكوكبي ، فلما توسطوا الأرض التي فيها النفط أمر عند ذلك بإلقاء النار فيه ، فجعلت النار تحرق أصحاب الكوكبي ، ففروا سراعا هاربين ، وكر عليهم موسى وأصحابه فقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وهرب الكوكبي إلى الديلم ، وتسلم موسى بن بغا قزوين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها حج بالناس عبد الله بن محمد بن سليمان الزينبي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية