الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 162 ] 245

ثم دخلت سنة خمس وأربعين ومائتين

في هذه السنة أمر المتوكل ببناء الماخوزة ، وسماها الجعفرية ، وأقطع القواد وأصحابه فيها ، وجد في بنائها ، وأنفق عليها فيما قيل : أكثر من ألفي ألف دينار ، وجمع فيها القراء ، فقرؤوا ، وحضرها أصحاب الملاهي ، فوهب أكثر من ألفي ألف درهم ، وكان يسميها هو وأصحابه المتوكلية ، وبنى فيها قصرا سماه لؤلؤة لم ير مثله في علوه ، وحفر لها نهرا يسقي ما حولها ، فقتل المتوكل ، فبطل حفر النهر ، وأخربت الجعفرية .

وفيها زلزلت بلاد المغرب ، فخربت الحصون ، والمنازل ، والقناطر ، ففرق المتوكل ثلاثة آلاف ألف درهم فيمن أصيب بمنزله .

وزلزل عسكر المهدي ، والمدائن ، وزلزلت أنطاكية ، فقتل بها خلق كثير ، فسقط منها ألف وخمس مائة دار ، وسقط من سورها نيف وتسعون برجا ، وسمعوا أصواتا هائلة لا يحسنون وصفها ، وتقطع جبلها الأقرع وسقط في البحر .

[ ص: 163 ] وهاج البحر ذلك اليوم ، وارتفع منه دخان أسود مظلم منتن ، وغار منها نهر على فرسخ لا يدرى أين ذهب ، وسمع أهل سيس ، فيما قيل : صيحة دائمة هائلة ، فمات منها خلق كثير ، فتزلزلت ديار الجزيرة ، والثغور ، وطرسوس ، وأدنة ، وزلزلت الشام ، فلم يسلم من اللاذقية إلا اليسير ، وهلك أهل جبلة .

وفيها غارت مشاش عين مكة ، فبلغ ثمن القربة درهما ، فبعث المتوكل مالا ، وأنفق عليها .

وفيها مات إسحاق بن أبي إسرائيل ، وهلال الرأي .

وفيها هلك نجاح بن سلمة ، وكان سبب هلاكه أنه كان على ديوان التوقيع ، وتتبع العمال ، وكان على الضياع ، فكان جميع العمال يتوقونه ، ويقضون حوائجه ، وكان المتوكل ربما نادمه ، وكان الحسن بن مخلد ، وموسى بن عبد الملك قد انقطعا إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، وزير المتوكل ، وكان الحسن على ديوان الضياع ، وموسى [ ص: 164 ] على ديوان الخراج ، فكتب نجاح بن سلمة فيهما رقعة إلى المتوكل : أنهما خانا وقصرا ، وأنه يستخرج منهما أربعين ألف ألف ، فقال له المتوكل : بكر غدا حتى أدفعهما إليك . فغدا وقد رتب أصحابه لأخذهما ، فلقيه عبيد الله بن يحيى الوزير ، فقال له : أنا أشير عليك بمصالحتهما ، وتكتب رقعة أنك كنت شاربا ، وتكلمت ناسيا ، وأنا أصلح بينكما ، وأصلح الحال عند أمير المؤمنين . ولم يزل يخدعه حتى كتب خطة بذلك .

فلما كتب خطه صرفه ، وأحضر الحسن وموسى ، وعرفهما الحال ، وأمرهما أن يكتبا في نجاح وأصحابه بألفي ألف دينار ، ففعلا ، وأخذ الرقعتين وأدخلهما على المتوكل ، وقال : قد رجع نجاح عما قال ، وهذه رقعة موسى والحسن يتقبلان بما كتبا ، فتأخذ ما ضمنا عليه ، ثم تعطف عليهما ، فتأخذ منهما قريبا منه .

فسر المتوكل بذلك ، وأمر بدفعه إليهما ، فأخذاه وأولاده ، فأقروا بنحو مائة وأربعين ألف دينار سوى الغلات ، والغرس ، والضياع ، وغير ذلك ، فقبض ذلك أجمع ، وضرب ، ثم عصرت خصيتاه حتى مات ، وأقر أولاده بعد الضرب بسبعين ألف دينار ، سوى ما لهما من ملك وغيره ، فأخذ الجميع وأخذ من وكلائه في جميع البلاد مالا جزيلا .

وفيها أغارت الروم على سميساط ، فقتلوا ، وسبوا ، ( وأسروا خلقا كثيرا ) ، وغزا علي بن يحيى الأرمني الصائفة .

ومنع أهل لؤلؤة رئيسهم من الصعود إليها ، فبعث إليهم ملك الروم بطريقا ، يضمن لكل رجل منهم ألف دينار على أن يسلموا إليه لؤلؤة ، فأصعدوا البطريق إليهم ، ثم أعطوا [ ص: 165 ] أرزاقهم الفائتة وما أرادوا ، فسلموا لؤلؤة والبطريق إلى بلكاجور ، فسيره إلى المتوكل ، فبذل ملك الروم في فدائه ألف مسلم .

وحج بالناس محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام يعرف بالزينبي ، وهو والي مكة .

وكان نيروز المتوكل الذي أرفق أهل الخراج بتأخيره إياه عنهم لإحدى عشرة خلت من شهر ربيع الأول ، ولسبع عشرة خلت من حزيران ، ولثمان وعشرين من أردبيهشت ، فقال البحتري :


إن يوم النيروز عاد إلى العهد الذي سنه أردشير

.

التالي السابق


الخدمات العلمية