الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 332 ] فصل ( في السلام وتحقيق القول في أحكامه على المنفرد والجماعة ) .

السلام سنة عين من المنفرد ، وسنة على الكفاية من الجماعة ، والأفضل السلام من جميعهم ولا يجب إجماعا ، ونقله ابن عبد البر وغيره ، وظاهر ما نقل عن الظاهرية وجوبه . وذكر الشيخ تقي الدين أن ابتداء السلام واجب في أحد القولين في مذهب أحمد وغيره ، ويكره في الحمام ، صححه في الرعاية ولم يذكر في التلخيص غيره ، وهو قول ابن عقيل ، وفيه قول : لا يكره ، ذكر في الشرح أنه الأولى للعموم وصححه أبو البركات وبه قال أبو حنيفة .

وعن أحمد التوقف ، ويكره على من يأكل أو يقاتل لاشتغالهما ، وفيمن يأكل نظر ، فظاهر التخصيص أنه لا يكره على غيرهما ، ومقتضى التعليل خلافه ، وهو ظاهر كلامه في الفصول في السلام على المصلي ، وصرح بالمنحجم والمشتغل بمعاش أو حساب ، ويأتي قريبا كلام أبي المعالي وعلى امرأة أجنبية غير عجوز وبرزة ، فلو سلمت شابة على رجل رده عليها كذا قال في الرعاية ولعله في النسخة غلط ويتوجه لا ، وهو مذهب الشافعي ، وإن سلم عليها لم ترده عليه .

وقال ابن الجوزي ، إذا خرجت المرأة لم تسلم على الرجل أصلا ، انتهى كلامه . وعلى هذا لا يرد عليها ، ويتوجه احتمال مثله عكسه مع عدم محرم ، وهو مذهب الكوفيين .

وفي الصحيحين عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت { ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب ، قالت : فسلمت عليه ، فقال : من هذه ؟ قلت أم هانئ بنت أبي طالب قال مرحبا يا أم هانئ فلما فرغ من غسله قام فصلى ثمان ركعات } الحديث .

قال في شرح مسلم فيه سلام المرأة التي ليست بمحرم على الرجل بحضرة محارمه وأنه لا بأس أن يكني الإنسان نفسه على سبيل التعريف إذا اشتهر [ ص: 333 ] بالكنية ، وأنه لا بأس بالكلام في الغسل والوضوء ولا بالسلام عليه ، وجواز الاغتسال بحضرة امرأة من محارمه إذا كان مستور العورة عنها ، وجواز تستيرها إياه بثوب ونحوه ، ومعنى مرحبا صادفت رحبا أي سعة .

وروى ابن الجوزي من الحلية عن الزبيدي عن عطاء الخراساني يرفع الحديث قال : { ليس للنساء سلام ولا عليهن سلام } وهذا منه يدل على أنها لا تسلم على الرجل ولا يسلم عليها مطلقا .

قال ابن منصور لأبي عبد الله : التسليم على النساء ؟ قال : إذا كانت عجوزا فلا بأس به .

وقال حرب لأحمد الرجل يسلم على النساء ؟ قال : إن كن عجائز فلا بأس .

وقال صالح : سألت أبي : يسلم على المرأة ؟ قال : أما الكبيرة فلا بأس ، وأما الشابة فلا تستنطق ، فظهر مما سبق أن كلام أحمد الفرق بين العجوز وغيرها .

وجزم صاحب النظم في تسليمهن والتسليم عليهن ، وأن التشميت منهن ولهن كذلك ، وقيل لا تسلم امرأة على رجل ولا يسلم عليها ، وقيل : الشابة البرزة كعجوز ، ويتوجه تخريج رواية من تشميتها وعلى ما يأتي في الرعاية في التشميت لا تسلم ، وإن قلنا يسلم الرجل عليها ، وإرسال السلام إلى الأجنبية وإرسالها إليه لم يذكره أصحابنا ، وقد يقال لا بأس به للمصلحة وعدم المحظور وأن كلام أحمد المذكور يدل عليه وقد { قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة إن جبريل عليه السلام يقرأ عليك السلام } قال في شرح مسلم : فيه بعث الأجنبي السلام إلى الأجنبية الصالحة إذا لم يخف ترتب مفسدة ، وسيأتي زيارة الأجنبية الصالحة الأجنبي الصالح ولا محذور ، ومنه ما روى مسلم عن أنس قال : قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنهما : انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها . [ ص: 334 ]

قال في شرح مسلم : فيه زيارة الصالحين وفضلها وزيارة الصالح لمن دونه ، وزيارة الإنسان لمن كان صديقه يزوره ، ولأهل ود صديقه ، وزيارة رجال للمرأة الصالحة وسماع كلامها ، والبكاء حزنا على فراق الصالحين والأصحاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية