الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( باب ما جاء في تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم )

التقنع معروف ، وهو تغطية الرأس بطرف العمامة ، أو برداء أعم من أن يكون فوق العمامة أو تحتها ، لما ورد في البخاري أنه صلى الله عليه وسلم أتى بيت أبي بكر في قصة الهجرة في القائلة متقنعا بثوبه ، والظاهر أنه كان متغشيا به فوق العمامة لا تحتها ; لأنه كان مستخفيا من أهل مكة متوجها إلى المدينة ، والمراد به هنا استعمال القناع وهو ثوب يلقي به الشخص على رأسه بعد تدهينه ; لئلا يصل أثر الدهن إلى القلنسوة والعمامة وأعالي الثوب ، قال العصام : وجعله بابا مع أن حديثه سبق في باب الترجل والفصل بينه وبين باب اللباس غير ظاهر انتهى . وأقول : وكذلك الفصل بين المشية والجلسة ، وقد يجاب عن الأول بأن الحديث الواحد قد يجعل له بابان وأكثر ، باعتبار الأحكام المستفادة منه ، كما فعله البخاري في أبواب كتابه ، وقد تكلف ابن حجر في الجواب عن الثاني لكن بعبارة شنيعة حيث قال : ويرد بأن التقنع يحتاج إليه الماشي كثيرا للوقاية من نحو حر أو برد .

وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعله لذلك كما في حديث الهجرة ، فكان بينه وبين المشي مناسبة تامة ، تم كلامه وفيه أنه لو [ ص: 219 ] قدمه عليه لكانت المناسبة حاصلة أيضا مع مناسبات أخر ، باعتبار ما قبله وما بعده على أن المراد من التقنع هنا ليس إلا ظلال الواقي من الحر والبرد فكلامه حار وجوابه بارد فيستحق أن يكون مردودا عليه .

( حدثنا يوسف بن عيسى أخبرنا وكيع أخبرنا ) وفي نسخة في الموضعين أنبأنا ( الربيع بن صبيح ) بالتكبير فيهما ( عن يزيد بن أبان ) بفتح الهمزة والموحدة منصرف ، وغير منصرف ( عن أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر القناع ) بكسر القاف أي لبسه واستعماله ( كأن ) بتشديد النون للتشبيه ( ثوبه ) أي على ثوبه أو قناعه الذي يستر به رأسه ( ثوب زيات ) بصيغة النسبة أي بائع الزيت أو صانعه ، فإن الغالب عليهما أن يكون ثوبهما مدهنا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية