الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 10 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما الحائض والنفساء فلا يجب عليهما فعل الصلاة لما ذكرناه في باب الحيض ، وإن جن في حال الردة ففاته صلوات لزمه قضاؤها ، وإن حاضت المرأة في حال الردة ففاتها صلوات لم يلزمها قضاؤها ; لأن سقوط الصلاة عن المجنون للتخفيف ، والمرتد لا يستحق التخفيف ، وسقوط القضاء عن الحائض عزيمة ، وليس لأجل التخفيف ، والمرتد من أهل العزائم ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) أما الحائض والنفساء فلا صلاة عليهما ولا قضاء بالإجماع ، وقد سبق إيضاحه في كتاب الحيض مع ما يتعلق به . وأما قوله : إن الصلاة الفائتة في حال جنون المرتد يجب قضاؤها إذا أسلم بعد الإفاقة ، والفائتة في حال ردة الحائض والنفساء لا يجب قضاؤها فمتفق عليه . وقوله : لأن سقوط القضاء عنه للتخفيف وسقوطه عنها عزيمة . هكذا قاله أصحابنا وهو ظاهر وذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله أن الغزالي رحمه الله قال في درسه : الفرق بينهما عسر ، وأورد عليه وجوب قضاء الصوم عليها . قال الشيخ : ونحن نقرر الفرق فنقول : العزيمة الحكم الثابت على وفق الدليل ، والرخصة الحكم الثابت على خلاف الدليل لمعارض راجح ، وإنما كان سقوط قضاء الصلاة عن الحائض عزيمة ; لأنها مكلفة بترك الصلاة ، فإذا تركتها فقد امتثلت ما أمرت به من الترك فلم تكلف مع ذلك بالقضاء . ولا نقول : الفرق بين الصوم والصلاة كثرتها وندوره فيكون إسقاط قضائها تخفيفا ورخصة ، بل سبب إسقاط قضائها ما ذكرناه ، وهذا يقتضي إسقاط قضاء الصوم أيضا ، لكن للشرع زيادة اعتناء بصوم رمضان ، فأوجب قضاءه بأمر محدود في وقت ثان ، وتسميته قضاء مجاز ، وهو في الحقيقة فرض مبتدأ ، فمخالفة الدليل إن حصلت فهي وجوب قضاء الصوم ، لا في عدم قضاء الصلاة ، فثبت أن عدم قضاء الصلاة ليس رخصة ، وأن المرتدة ساوت المسلمة في مستنده فتساويا في الحكم فيه . وأما كون سقوط القضاء عن المجنون رخصة فلأن الدليل يقتضي أن من فاته صلاة في وقتها من غير أن يكون مكلفا بتركها في وقتها يؤمر بقضائها في وقت آخر لئلا يخلو من وظيفتها [ ولهذا وجب قضاؤها على النائم وإنما سقط ذلك عن المجنون رخصة وتخفيفا ، ] والمرتد ليس أهلا لذلك فلزمه القضاء . هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو وأما قول المصنف لأجل التخفيف ، فهو مما أنكر على [ ص: 11 ] الفقهاء من الألفاظ . وقيل : إن صوابه ( من أجل ) قال الله تعالى : { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل } وهذا هو المعروف في استعمال العرب وكتب اللغة ، وفيه لغتان فتح الهمزة وكسرها ، حكاهما الجوهري وغيره ، الفتح أفصح وأشهر وبه جاء القرآن .



                                      . ( فرع ) لو سكر ثم جن ثم أفاق وجب قضاء المدة التي قبل الجنون ، وفي مدة الجنون وجهان مشهوران الأصح لا يجب ، صححه المتولي وآخرون ، وقطع به البغوي وغيره ; لأنه ليس سكران في مدة الجنون بخلاف الردة فإنها إذا تعقبها الجنون كان مرتدا في مدة الجنون قال المتولي فإذا لم يعرف وقت الجنون وجب قضاء الصلوات التي يمتد إليها السكر غالبا ، ولو سكرت ثم حاضت لم تقض أيام الحيض كما لو ارتدت ثم حاضت ، ولو شربت دواء للحيض فحاضت لم يلزمها القضاء ، وكذا لو شربت دواء لتلقي الجنين فألقته ونفست لم يلزمها قضاء صلوات مدة النفاس على الصحيح من الوجهين ; لأن سقوط القضاء من الحائض ، والنفساء عزيمة كما سبق . وفي النفاس وجه مشهور وإن كان ضعيفا حكاه صاحبا التتمة والتهذيب . قال الرافعي : فالحاصل أن من لم يؤمر بالترك لا يستحيل أن يؤمر بالقضاء ، فإذا لم يؤمر كان تخفيفا ، ومن أمر بالترك فامتثل الأمر لا يؤمر بالقضاء إلا الحائض والنفساء في الصوم فإنهما يؤمران بتركه وبقضائه ، وهو خارج عن القياس للنص ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية