الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وأما الدم فنجس لحديث عمار رضي الله عنه وفي دم السمك وجهان ( أحدهما ) : نجس كغيره ( والثاني ) : طاهر ; لأنه ليس بأكثر من الميتة ، وميتة السمك طاهرة فكذا دمه ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : أما حديث عمار فضعيف سبق بيان ضعفه ، ويغني عنه [ ص: 576 ] حديث عائشة رضي الله عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة : إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي } رواه البخاري ومسلم .

                                      وعن أسماء رضي الله عنه قالت : { جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع به ؟ قال تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه } رواه البخاري ومسلم .

                                      والدلائل على نجاسة الدم متظاهرة ، ولا أعلم فيه خلافا عن أحد من المسلمين إلا ما حكاه صاحب الحاوي عن بعض المتكلمين أنه قال : هو طاهر ، ولكن المتكلمين لا يعتد بهم في الإجماع والخلاف ، على المذهب الصحيح الذي عليه جمهور أهل الأصول من أصحابنا وغيرهم لا سيما في المسائل الفقهيات ، وأما الوجهان في دم السمك فمشهوران ونقلهما الأصحاب أيضا في دم الجراد ونقلهما الرافعي أيضا في الدم المتحلب من الكبد والطحال ، والأصح في الجميع النجاسة .

                                      وممن قال بنجاسة دم السمك مالك وأحمد وداود . وقال أبو حنيفة : طاهر . وأما دما القمل والبراغيث والقراد والبق ونحوهما مما ليس له نفس سائلة فنجسة عندنا كغيرها من الدماء ، لكن يعفى عنها في الثوب والبدن للحاجة كما سنوضحه إن شاء الله تعالى .

                                      وممن قال بنجاسة هذه الدماء مالك ، وقال أبو حنيفة : هي طاهرة ، وهي أصح الروايتين عن أحمد ، وأما قول المصنف ; لأنه ليس بأكثر من الميتة فكلام ناقص ; لأنه ينتقض بدم الآدمي ، فإنه نجس مع أن ميتته طاهرة على المذهب ، فينبغي أن يزاد فيقال : ميتته طاهرة مأكولة .



                                      ( فرع ) مما تعم به البلوى الدم الباقي على اللحم وعظامه ، وقل من تعرض له من أصحابنا ; فقد ذكره أبو إسحاق الثعلبي المفسر من أصحابنا ، ونقل عن جماعة كثيرة من التابعين أنه لا بأس به ، ودليله المشقة في الاحتراز منه ، وصرح أحمد وأصحابه بأن ما يبقى من الدم في اللحم معفو عنه ولو غلبت حمرة الدم في القدر لعسر الاحتراز منه ، وحكوه عن عائشة وعكرمة والثوري وابن عيينة وأبي يوسف وأحمد وإسحاق وغيرهم ، واحتجت عائشة والمذكورون بقوله تعالى : { إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا } قالوا : فلم ينه عن كل دم بل عن المسفوح خاصة وهو السائل .




                                      الخدمات العلمية