الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم

                                                                                                          666 حدثنا الحسن بن علي الخلال حدثنا يحيى بن آدم عن ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن صفوان بن أمية قال أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إلي فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي قال أبو عيسى حدثني الحسن بن علي بهذا أو شبهه في المذاكرة قال وفي الباب عن أبي سعيد قال أبو عيسى حديث صفوان رواه معمر وغيره عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية قال أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن هذا الحديث أصح وأشبه إنما هو سعيد بن المسيب أن صفوان وقد اختلف أهل العلم في إعطاء المؤلفة قلوبهم فرأى أكثر أهل العلم أن لا يعطوا وقالوا إنما كانوا قوما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يتألفهم على الإسلام حتى أسلموا ولم يروا أن يعطوا اليوم من الزكاة على مثل هذا المعنى وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وغيرهم وبه يقول أحمد وإسحق وقال بعضهم من كان اليوم على مثل حال هؤلاء ورأى الإمام أن يتألفهم على الإسلام فأعطاهم جاز ذلك وهو قول الشافعي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم ) قال ابن العربي : اختلف الناس في المؤلفة قلوبهم هل كانوا مسلمين لكن إسلامهم كان يتوقع عليه الضعف أو الذهاب فأعطوا تثبيتا؟ وقيل : بل كانوا كفارا أعطوا استكفاء لشرهم واستعانة للمجاهدين المحاربين بهم ، وهذا هو الصحيح وعليه تدل الأخبار كلها انتهى . قلت : في قوله " وعليه تدل الأخبار كلها " نظر ففي حديث أنس عند مسلم : " فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم . الحديث " .

                                                                                                          قوله : ( أخبرنا يحيى بن آدم ) بن سليمان الكوفي أبو زكريا مولى بني أمية ، ثقة حافظ فاضل من كبار التاسعة ، مات سنة ثلاث ومائتين ( عن صفوان بن أمية ) بن خلف بن وهب القرشي الجمحي المكي صحابي من المؤلفة ، مات أيام قتل عثمان ( يوم حنين ) كزبير موضع بين الطائف ومكة .

                                                                                                          [ ص: 270 ] قوله : ( وبهذا أو شبهه ) كأن الترمذي لم يضبط لفظ حديث الحسن بن علي ضبطا كاملا فلذلك قال هذا .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي سعيد ) أخرجه مسلم . قلت : وفي الباب أيضا عن أنس أخرجه أحمد بإسناد صحيح ، وعن عمرو بن تغلب أخرجه أحمد والبخاري . قال الشوكاني في النيل : وفي الباب أحاديث كثيرة قال : وقد عد ابن الجوزي أسماء المؤلفة قلوبهم في جزء مفرد فبلغوا نحو الخمسين نفسا ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( رواه معمر وغيره عن الزهري عن سعيد بن المسيب أو صفوان بن أمية إلخ ) أي بلفظ " أن " مكان لفظ " عن " ( وكأن هذا الحديث ) أي حديث معمر وغيره بلفظ : أن صفوان بن أمية ( أصح وأشبه ) من حديث يونس بلفظ : عن صفوان بن أمية ، ويونس هذا هو ابن يزيد الأيلي ، قال الحافظ في التقريب : ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهما قليلا ( إنما هو سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية ) قال ابن العربي في العارضة : الصحيح من هذا عن سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية ـ لأن سعيدا لم يسمع من صفوان شيئا إنما يقول الراوي فلان عن فلان ـ إذا سمع شيئا ولو حديثا واحدا فيحمل سائر الأحاديث التي سمعها من واسطة عنه على العنعنة ، فأما إذا لم يسمع منه شيئا فلا سبيل إلى أن يحدث عنه لا بعنعنة ولا بغيرها ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( فرأى أكثر أهل العلم أن لا يعطوا إلخ ) قاله الزيلعي في نصب الراية ، روى ابن أبي شيبة في مصنفه ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر الشعبي قال : إنما كانت المؤلفة [ ص: 271 ] على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما ولي أبو بكر -رضي الله عنه- انقطعت . انتهى . قاله الحافظ في الدراية . في إسناده جابر الجعفي وأخرجه الطبراني وأخرجه عن الحسن نحوه .

                                                                                                          وروى الطبراني من طريق حبان بن أبي جبلة أن عمر لما أتاه شيبة بن حصين قال : الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . يعني ليس اليوم مؤلفة ( وقال بعضهم : من كان اليوم على مثل هؤلاء ورأى الإمام أن يتألفهم على الإسلام فأعطاهم جاز ذلك . وهو قول الشافعي ) قال ابن العربي : قال قوم : إذا احتاج الإمام إلى ذلك الآن فعله ، وهو الصحيح عندي ، وبه قال الشافعي ، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا ، فكل ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- لحكمة وحاجة وسبب فوجب أن السبب والحاجة إذا ارتفعت أن يرتفع الحكم وإذا عادت أن يعود ذلك ، انتهى .

                                                                                                          وقال الشوكاني في النيل : والظاهر جواز التأليف عند الحاجة إليه ، فإذا كان في زمن الإمام قوم لا يطيعونه إلا للدنيا ، ولا يقدر على إدخالهم تحت طاعته بالقسر والغلب فله أن يتألفهم ولا يكون لفشو الإسلام تأثير ؛ لأنه لم ينفع في خصوص هذه الواقعة ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية