الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 123 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - كتاب الطهارة ( باب ما يجوز به الطهارة من المياه وما لا يجوز )

                                      التالي السابق


                                      الشرح : أما الكتاب فسبق بيانه ، والباب : هو الطريق إلى الشيء والموصل إليه ، وباب المسجد والدار ما دخل منه إليه ، وباب المياه ما يوصل به إلى أحكامها ، وقد يذكرون في الباب أشياء لها تعلق بمقصود الباب ، وإن لم يكن مما ترجم له كإدخاله الختان وتقليم الأظفار وقص الشارب ونحوها في باب السواك ; لكونها جميعا من خصال الفطرة فيكون التقدير باب السواك وما يتعلق به ويقاربه .

                                      وقوله : يجوز الطهارة لفظة يجوز يستعملونها تارة بمعنى يحل ، وتارة بمعنى يصح ، وتارة تصلح للأمرين ، وهذا الموضع مما يصلح فيه للأمرين . وأما الطهارة فهي في اللغة النظافة والنزاهة عن الأدناس ، ويقال : طهر الشيء بفتح الهاء وطهر بضمها ، والفتح أفصح يطهر بالضم والاسم الطهر ، والطهور بفتح الطاء : اسم لما يتطهر به ، وبالضم : اسم للفعل ، هذه اللغة المشهورة التي عليها الأكثرون من أهل اللغة . واللغة الثانية : بالفتح فيهما واقتصر عليها جماعات من كبار أهل اللغة .

                                      وحكى صاحب مطالع الأنوار الضم فيهما ، وهو غريب شاذ ضعيف ، وقد أوضحت هذا كله مفاضا في تهذيب الأسماء واللغات . وأما الطهارة في اصطلاح الفقهاء فهي إزالة حدث أو نجس أو ما في معناهما وعلى صورتهما ، وقولنا : في معناهما أردنا به التيمم والأغسال المسنونة كالجمعة وتجديد الوضوء والغسلة الثانية والثالثة في الحدث والنجس أو مسح الأذن والمضمضة ونحوها من نوافل الطهارة ، وطهارة المستحاضة وسلس البول ، فهذه كلها طهارات ، ولا ترفع حدثا ولا نجسا ، وفي المستحاضة والسلس والتيمم وجه ضعيف : أنها ترفع .

                                      [ ص: 124 ] وأما المياه فجمع ماء ، وهو جمع كثرة وجمعه في القلة أمواه ، وجمع القلة عشرة فما دونها ، والكثرة فوقها ، وأصل ماء موه ، وهو أصل مرفوض ، والهمزة في ماء بدل من الهاء إبدال لازم عند بعض النحويين ، وقد ذكر صاحب المحكم لغة أخرى فيه أن يقال : ماه على الأصل ، وهذا يبطل دعوى لزوم الإبدال .

                                      وإنما قال المصنف : مياه وأتى بجمع الكثرة ; لأن أنواع الماء زائدة على العشرة ، فإنه طاهر وطهور ونجس ، والطهور ينقسم إلى ماء السماء وماء الأرض ، وماء السماء ينقسم إلى مطر وذوب ثلج وبرد ، وماء الأرض إلى ماء أنهار وبحار وآبار ومشمس ومسخن ومتغير بالمكث ، وبما لا يمكن صونه منه وبالتراب وغير ذلك من أنواعه ، وينقسم الطاهر والنجس أقساما معروفة . وبدأ المصنف بكتاب الطهارة ثم باب المياه ، وكذا فعله الشافعي والأصحاب وكثيرون من العلماء لمناسبة حسنة ، ذكرها صاحب التتمة وهو أبو سعيد بن عبد الرحمن بن المأمون المتولي ، قال : بدأنا بذلك لحديث ابن عمر : رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان } ، وفي رواية { وصوم رمضان والحج } رواه البخاري ومسلم ، فبدأ صلى الله عليه وسلم بعد الإيمان بالصلاة ، والعرب تبدأ بالأهم فكان تقديم الصلاة أهم ، وأما التوحيد فله كتب مستقلة ، وهو علم الكلام وقدموا الصوم على الحج ; لأنه جاء في إحدى الروايتين ; ولأنه أعم وجوبا من الحج ، فإنه يجب على كثيرين ممن لا حج عليه ، ويجب أيضا على الفور ويتكرر وإذا ثبت تقديم الصلاة فينبغي تقديم مقدماتها ، ومنها الطهارة ثم من الطهارة أهمها والأصل فيها ، وهو الماء وبالله التوفيق .




                                      الخدمات العلمية