الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب اسم الحزن

                                                                                                                                                                                                        5837 حدثنا إسحاق بن نصر حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبيه أن أباه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما اسمك قال حزن قال أنت سهل قال لا أغير اسما سمانيه أبي قال ابن المسيب فما زالت الحزونة فينا بعد حدثنا علي بن عبد الله ومحمود هو ابن غيلان قالا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبيه عن جده بهذا [ ص: 590 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 590 ] قوله ( باب اسم الحزن ) بفتح المهملة وسكون الزاي : ما غلظ من الأرض ، وهو ضد السهل ، واستعمل في الخلق يقال : في فلان حزونة أي في خلقه غلظة وقساوة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن ابن المسيب ) هو سعيد ، وسماه أحمد في روايته عن عبد الرزاق ، وكذا محمود بن غيلان وأحمد بن صالح وغيرهما .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أبيه أن أباه جاء ) كذا رواه إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق ، وتابعه أحمد عن عبد الرزاق في روايته " عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجده " وكذا أخرجه ابن حبان من طريق محمد بن أبي السري عن عبد الرزاق ، وأورده المصنف عن عقبة عن محمود بن غيلان وعلي بن عبد الله كلاهما عن عبد الرزاق فقالا في روايتهما " عن أبيه عن جده " وكذا أورده أبو داود عن أحمد بن صالح والإسماعيلي من طريق إسحاق بن الضيف كلاهما عن عبد الرزاق وفيه " عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له " وهذا الاختلاف على عبد الرزاق وبحسبه يكون الحديث إما من مسند المسيب بن حزن على الرواية الأولى ، وإما من مسند حزن بن أبي وهب والده على الرواية الثانية ، وقد أعرض الحميدي تبعا لأبي مسعود عن الرواية الثانية وأورد الحديث في مسند المسيب ، وأما الكلاباذي فجزم بأن الحديث من مسند حزن ، وهذا الذي ينبغي أن يعتمد ; لأن الزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما وفيهم ابن المديني .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال أنت سهل ) في رواية الإسماعيلي من طريق محمود بن غيلان ، ومن طريق إسحاق بن الضيف جميعا قال بل اسمك سهل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا أغير اسما ) في رواية أحمد بن صالح " فقال : لا ، السهل يوطأ ويمتهن " ويجمع بأنه قال كلا من الكلامين فنقل بعض الرواة ما لم ينقله الآخر .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فما زالت الحزونة فينا بعد ) في رواية أحمد بن صالح ( فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا علي بن عبد الله ومحمود هو ابن غيلان ) كذا ثبت للأكثر ، وسقط محمود من رواية الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني ، وقد أخرجه الإسماعيلي عن الهيثم بن خلف عن محمود بن غيلان كما قال البخاري ولفظه كما قدمته ، وأخرجه أبو نعيم عن أبي أحمد وهو الغطريفي عن الهيثم فقال في السند " عن أبيه أن أباه جاءه " والمعتمد ما قال الإسماعيلي . قال ابن بطال : فيه إن الأمر بتحسين الأسماء وبتغيير الاسم إلى أحسن منه ليس على الوجوب ، وسيأتي مزيد لهذا في الباب الذي يليه . وقال ابن التين : معنى قول ابن المسيب " فما زالت فينا الحزونة " يريد اتساع التسهيل [1] فيما يريدونه . وقال الداودي : يريد الصعوبة في أخلاقهم ، إلا أن سعيدا أفضى به ذلك إلى الغضب في الله . وقال غيره : يشير إلى الشدة التي بقيت في أخلاقهم . فقد ذكر أهل النسب أن في [ ص: 591 ] ولده سوء خلق معروف فيهم لا يكاد يعدم منهم .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : قال الكرماني هنا : قالوا لم يرو عن المسيب بن حزن - وهو وأبوه صحابيان - إلا ابنه سعيد بن المسيب ، وهذا خلاف المشهور من شرط البخاري أنه لم يرو عن واحد ليس له إلا راو واحد . قلت : وهذا المشهور راجع إلى غرابته ، وذلك أنه لم يذعه إلا الحاكم ومن تلقى كلامه ، وأما المحققون فلم يلتزموا ذلك ، وحجتهم أن ذلك لم ينقل عن البخاري صريحا ، وقد وجد عمله على خلافه في عدة مواضع : منها " هذا فلان يعتد به " وقد قررت ذلك في " النكت على علوم الحديث " وعلى تقدير تسليم الشرط المذكور ، فالجواب عن هذا الموضع أن الشرط المذكور إنما هو في غير الصحابة ، وأما الصحابة فكلهم عدول فلا يقال في واحد منهم بعد أن ثبتت صحبته مجهول ، وإن وقع ذلك في كلام بعضهم فهو مرجوح ، ويحتاج من ادعى الشرط في بقية المواضع إلى الأجوبة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية