الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة

                                                                                                          625 حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع حدثنا زكريا بن إسحق المكي حدثنا يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال له إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب وفي الباب عن الصنابحي قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن صحيح وأبو معبد مولى ابن عباس اسمه نافذ

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا يحيى بن عبد الله بن صيفي ) هو يحيى بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن صيفي المكي ، ثقة من السادسة . كذا في التقريب .

                                                                                                          قوله : ( بعث معاذا إلى اليمن ) أي أرسله إليه أميرا أو قاضيا ( فإن هم أطاعوا لذلك ) أي : انقادوا للإسلام وهو من قبيل حذف عامله على شريطة التفسير كقوله تعالى : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره ( فأعلمهم ) من الإعلام ( تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ) قال البخاري في صحيحه : باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا ، ثم ذكر هذا الحديث ، قال الحافظ : ظاهر الحديث أن الصدقة ترد على فقراء من أخذت من أغنيائهم ، وقال ابن المنير : اختار البخاري جواز نقل الزكاة من بلد المال لعموم قوله : " فترد في فقرائهم " ؛ لأن الضمير يعود على المسلمين ، فأي فقير منهم ردت فيه الصدقة في أي جهة كان ، فقد وافق عموم الحديث ، انتهى .

                                                                                                          والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الحديث عدم النقل ، وأن الضمير يعود على المخاطبين فيختص بذلك فقراؤهم ، لكن رجح ابن دقيق العيد الأول ؛ قال : إنه وإن لم يكن الأظهر إلا أنه يقويه أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر في الزكاة كما لا تعتبر في الصلاة ، فلا يختص بهم الحكم وإن اختص بهم خطاب المواجهة ، انتهى .

                                                                                                          وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فأجاز النقل الليث وأبو حنيفة وأصحابهما ، ونقله ابن المنذر عن [ ص: 209 ] الشافعي واختاره ، والأصح عند الشافعية والمالكية والجمهور ترك النقل ، فلو خالف ونقل أجزأ عند المالكية على الأصح ، ولم يجزئ عند الشافعية على الأصح إلا إذا فقد المستحقون لها ، ولا يبعد أنه اختيار البخاري ؛ لأن قوله حيث كانوا يشعر بأنه لا ينقل عن بلد وفيه ممن هو متصف بصفة الاستحقاق ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قلت : والظاهر عندي عدم النقل إلا إذا فقد المستحقون لها أو يكون في النقل مصلحة أنفع وأهم من عدمه ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قال الحافظ : وفيه إيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون لعموم قوله : ( من أغنيائهم ) قاله عياض وفيه بحث ، وأن الزكاة لا تدفع إلى الكافر لعود الضمير في فقرائهم إلى المسلمين سواء قلنا بخصوص البلد أو العموم ، انتهى .

                                                                                                          ( فإياك وكرائم أموالهم ) جمع كريمة وهي خيار المال وأفضله ، أي احترز من أخذ خيار أموالهم ( واتق دعوة المظلوم ) أي اتق الظلم خشية أن يدعو عليك المظلوم ( فإنها ليس بينها وبين الله حجاب ) مانع بل هي معروضة عليه تعالى . قال السيوطي : أي ليس لها ما يصرفها ولو كان المظلوم فيه ما يقتضي أنه لا يستجاب لمثله من كون مطعمه حراما أو نحو ذلك ، حتى ورد في بعض طرقه ( وإن كان كافرا ) رواه أحمد من حديث أنس ، قال ابن العربي : ليس بين الله وبين شيء حجاب عن قدرته وعلمه وإرادته وسمعه وبصره ولا يخفى عليه شيء ، وإذا أخبر عن شيء أن بينه وبينه حجابا فإنما يريد منعه ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن الصنابحي ) هو صنابح بن الأعسر ، قال الحافظ في التقريب : الصنابح بضم أوله ثم نون وموحدة ومهملة ابن الأعسر الأحمسي صحابي سكن الكوفة ، ومن قال فيه : الصنابحي فقد وهم انتهى . قال سراج أحمد السرهندي في شرح الترمذي : أخرج حديثه ابن أبي شيبة ، قال : أبصر النبي -صلى الله عليه وسلم- ناقة حسنة في إبل الصدقة فقال : ما هذه؟ قال صاحب الصدقة : إني ارتجعتها ببعيرين من حواشي الإبل . قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : " فنعم إذا " كذا في شرح سراج أحمد السرهندي .

                                                                                                          قوله : ( حديث ابن عباس حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .

                                                                                                          [ ص: 210 ] قوله : ( اسمه نافذ ) بفاء ومعجمة ، ثقة من الرابعة مات سنة أربع ومائة .




                                                                                                          الخدمات العلمية