الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد

                                                                                                          61 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة فلما كان عام الفتح صلى الصلوات كلها بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال عمر إنك فعلت شيئا لم تكن فعلته قال عمدا فعلته قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وروى هذا الحديث علي بن قادم عن سفيان الثوري وزاد فيه توضأ مرة مرة قال وروى سفيان الثوري هذا الحديث أيضا عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة ورواه وكيع عن سفيان عن محارب عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال ورواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وهذا أصح من حديث وكيع والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم يحدث وكان بعضهم يتوضأ لكل صلاة استحبابا وإرادة الفضل ويروى عن الأفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات وهذا إسناد ضعيف وفي الباب عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر بوضوء واحد [ ص: 161 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 161 ] قوله : ( عن سفيان ) هو ابن سعيد الثوري ( عن علقمة بن مرثد ) بفتح الميم والثاء وسكون الراء بينهما ، وثقه أحمد والنسائي .

                                                                                                          قوله : ( عمدا صنعته ) أي لبيان الجواز ، قال القاري في المرقاة شرح المشكاة : الضمير راجع للمذكور وهو جمع الصلوات الخمس بوضوء واحد والمسح على الخفين ، وعمدا تمييز أو حال من الفاعل . فقدم اهتماما بشرعية المسألتين في الدين واختصاصهما ردا لزعم من لا يرى المسح على الخفين ، وفيه دليل على أن من يقدر أن يصلي صلوات كثيرة بوضوء واحد لا تكره صلاته إلا أن يغلب عليه الأخبثان كذا ذكره الشراح ، لكن رجوع الضمير إلى مجموع الأمرين يوهم أنه لم يكن يمسح على الخفين قبل الفتح والحال أنه ليس كذلك ، فالوجه أن يكون الضمير راجعا إلى الجمع فقط أي جمع الصلوات بوضوء واحد . انتهى كلامه .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه .

                                                                                                          قوله : ( وروى هذا الحديث علي بن قادم ) الخزاعي الكوفي صدوق ( وروى سفيان الثوري [ ص: 162 ] هذا الحديث أيضا عن محارب بن دثار ) أي كما رواه عن علقمة بن مرثد ، فهذا الحديث عند سفيان عن شيخين ، علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار كلاهما عن سليمان بن بريدة .

                                                                                                          ( مرسل ) أي هذا مرسل ، وفي نسخة قلمية صحيحة مرسلا وهو الظاهر .

                                                                                                          ( وهذا أصح من حديث وكيع ) أي هذا المرسل الذي رواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة بدون ذكر عن أبيه ، أصح من حديث وكيع الذي رواه عن سفيان عن محارب مسندا بذكر عن أبيه ، ووجه كون المرسل أصح لأن رواته أكثر ، والمرسل : قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا ، والمسند : ما اتصل سنده مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                          تنبيه : اعلم أن سفيان روى هذا الحديث عن شيخين ، علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار ، واختلاف أصحاب سفيان في روايته مرسلا ومسندا إنما هو في روايته عن محارب لا في روايته عن علقمة فإن أصحابه لا يختلفون في روايته عن علقمة في الإسناد والإرسال بل كلهم متفقون في روايته مسندا ، وهذا ظاهر على من وقف على طرق الحديث ، ولم يقف على هذا صاحب الطيب الشذي فاعترض على الترمذي حيث قال : ولعل الحق خلافه . ثم هذا المعترض يظن أن بين الإرسال والرفع منافاة فإنه قال في شرح قول الترمذي : وهذا أصح من حديث وكيع : أي رواية الإرسال أصح من رواية الرفع ، ووجه الصحة كون المرسلين أكثر ممن رفعه . انتهى ، والأمر ليس كذلك ، وهذا ظاهر فإن رواية الإرسال أيضا مرفوعة .

                                                                                                          قوله : ( والعمل على هذا عند أهل العلم إلخ ) قال النووي في شرح صحيح مسلم : في هذا الحديث أنواع من العلم ، منها جواز الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث وهذا جائز بإجماع من يعتد به ، وحكى الطحاوي وابن بطال عن طائفة أنهم قالوا يجب الوضوء لكل صلاة وإن كان متطهرا ، واحتجوا بقول الله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم [ ص: 163 ] الآية ، وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد ، ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة ، ودليل الجمهور الأحاديث الصحيحة منها هذا الحديث وحديث أنس وحديث سويد بن النعمان ، وفي معناه أحاديث كثيرة وأما الآية الكريمة فالمراد بها والله أعلم : إذا قمتم محدثين . انتهى كلام النووي مختصرا ، وقال الحافظ في الفتح : اختلف السلف في معنى الآية ، فقال الأكثرون التقدير إذا قمتم إلى الصلاة محدثين ، وقال الآخرون بل الأمر على عمومه من غير تقدير حذف إلا أنه في حق المحدث على الإيجاب وفي حق غيره على الندب ، وقال بعضهم كان على الإيجاب ثم نسخ فصار مندوبا ، ويدل لهذا ما رواه أحمد وأبو داود عن عبد الله بن حنظلة الأنصاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق عليه وضع عنه الوضوء إلا من حدث . ولمسلم من حديث بريدة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر : إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله ، فقال : عمدا فعلته . أي لبيان الجواز وسيأتي حديث أنس في ذلك . انتهى كلام الحافظ ، قلت ( وإرادة الفضل ) بالنصب عطف على استحبابا أي وطلبا للفضيلة والثواب لا على الوجوب .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن جابر بن عبد الله ) أخرجه ابن ماجه .




                                                                                                          الخدمات العلمية