الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 314 ] كتاب الوقف

                                                                                                                                                                        فيه بابان .

                                                                                                                                                                        [ الباب ] الأول : في أركانه وشروطه ، وفيه طرفان :

                                                                                                                                                                        [ الطرف ] الأول : في أركانه ، وهي أربعة :

                                                                                                                                                                        [ الركن ] الأول : الواقف ، ويشترط كونه صحيح العبارة ، أهلا للتبرع .

                                                                                                                                                                        الركن الثاني : الموقوف ، وهو كل عين معينة مملوكة ملكا يقبل النقل يحصل منها فائدة أو منفعة تستأجر لها . احترزنا بالعين حق المنفعة ، وعن الوقف الملتزم في الذمة ، وبالمعينة ، عن وقف أحد عبديه ، وبالمملوكة ، عما لا يملك ، وبقبول النقل ، عن أم الولد والملاهي . وأردنا بالفائدة : الثمرة واللبن ونحوهما ، وبالمنفعة : السكنى واللبس ونحوهما . وقولنا : تستأجر لها ، احتراز من الطعام ونحوه . ونوضحه بمسائل :

                                                                                                                                                                        إحداها : يجوز وقف العقار والمنقول ، كالعبيد ، والثياب ، والدواب ، والسلاح ، والمصاحف ، والكتب ، سواء المقسوم والمشاع ، كنصف دار ونصف عبد ، ولا يسري الوقف من نصف إلى نصف .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        وقف نصف عبد ، ثم أعتق النصف الآخر ، لم يعتق الموقوف . الثانية : يجوز [ وقف ] ما يراد لعين تستفاد منه ، كالأشجار للثمار ، والحيوان للبن والصوف والوبر والبيض ، وما يراد لمنفعة تستوفى منه ، كالدار ، والأرض [ ص: 315 ] . ولا يشترط حصول المنفعة والفائدة في الحال ، بل يجوز وقف العبد والجحش الصغيرين ، والزمن الذي يرجى زوال زمانته ، كما يجوز نكاح الرضيعة .

                                                                                                                                                                        الثالثة : لا يصح وقف الحر نفسه ، لأن رقبته غير مملوكة ، وكذلك مالك منافع الأموال دون رقابها ، لا يصح وقفه إياها ، سواء ملك مؤقتا ، كالمستأجر ، أم مؤبدا ، كالموصى له بالمنفعة .

                                                                                                                                                                        الرابعة : لا يصح وقف أم الولد على الأصح . فإن صححنا فمات السيد ، عتقت . قال المتولي : لا يبطل الوقف ، بل تبقى منافعها للموقوف عليه ، كما لو أجرها ومات . وقال الإمام : تبطل ، لأن الحرية تنافي الوقف ، بخلاف الإجارة ، وهذا مقتضى كلام ابن كج ، ويجري الوجهان في صحة وقف المكاتب ، ويصح وقف المعلق عتقه بصفة . فإذا وجدت الصفة ، فإن قلنا : الملك في الوقف للواقف ، أو لله تعالى ، عتق وبطل الوقف . وإن قلنا : للموقوف عليه ، لم يعتق ويبقى الوقف بحاله .

                                                                                                                                                                        ويجوز وقف المدبر ، ثم هو رجوع إن قلنا : التدبير وصية ، فإن قلنا : تعليق بصفة ، فهو كالمعلق عتقه .

                                                                                                                                                                        الخامسة : لا يصح وقف الكلب المعلم على الأصح . وقيل : لا يصح قطعا ، لأنه غير مملوك .

                                                                                                                                                                        السادسة : في وقف الدراهم والدنانير وجهان ، كإجارتهما ، إن جوزناها ، صح الوقف لتكرى ، ويصح وقف الحلي لغرض اللبس . وحكى الإمام أنهم ألحقوا الدراهم ليصاغ منها الحلي بوقف العبد الصغير ، وتردد هو فيه .

                                                                                                                                                                        السابعة : لا يصح وقف ما لا يدوم الانتفاع به ، كالمطعوم والرياحين المشمومة ، لسرعة فسادها .

                                                                                                                                                                        الثامنة : وقف ثوبا أو عبدا في الذمة ، لم يصح كما لو أعتق عبدا في الذمة . ولو وقف أحد عبديه ، لم يصح على الصحيح كالبيع . وقيل : يصح كالعتق .

                                                                                                                                                                        التاسعة : يجوز وقف علو الدار دون سفلها .

                                                                                                                                                                        [ ص: 316 ] العاشرة : يصح وقف الفحل للضراب ، بخلاف إجارته ، لأن الوقف قربة يحتمل فيها ما لا يحتمل في المعاوضات . الحادية عشرة : لا يصح وقف الملاهي .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أجر أرضه ثم وقفها ، صح على المذهب ، وبه قطع الشيخ أبو علي ، لأنه مملوك بشرائطه ، وليس فيه إلا العجز عن صرف منفعته إلى جهة الوقف في الحال ، وذلك لا يمنع الصحة ، كما لو وقف ماله في يد الغاصب . وفي فتاوى القفال : أنه على الخلاف في الوقف المنقطع الأول . وقيل : إن وقفه على المسجد صح ، لمشابهته الإعتاق ، وإن وقف على إنسان ، فخلاف .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        استأجر أرضا ليبني فيها ، أو يغرس ، ففعل ، ثم وقف البناء والغراس ، صح على الأصح . ولو وقف هذا أرضه ، وهذا بناءه ، صح بلا خلاف ، كما لو باعاه . وإذا قلنا بالصحة ، ومضت المدة ، وقلع مالك الأرض البناء ، فإن بقي منتفعا به بعد القلع ، فهو وقف كما كان .

                                                                                                                                                                        وإن لم يبق ، فهل يصير ملكا للموقوف عليه ؟ أم يرجع إلى الواقف ؟ فيه وجهان ، وأرش النقص الذي يؤخذ من القالع ، يسلك به مسلك الوقف .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : صحة وقف ما لم يره ، ولا خيار له عند الرؤية . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية