الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    123 - ( فصل )

                    [ ص: 250 ] في مواضع القرعة

                    قال إسحاق : قلت لأبي عبد الله : تذهب إلى حديث عمران بن حصين في الأعبد ؟ قال : نعم ، قال : قيل في العتق في المرض وصية ، فكأنه أوصى أن يعتق كل عبد على انفراده ، فإذا تعذر عتق جميعه عتق منه ما أمكن عتقه ، كما لو كان ماله كله عبدا واحدا ، فأعتقه : عتق منه ما حمل الثلث قيل : هذا هو القياس الفاسد الذي ردت به السنة الصحيحة الصريحة .

                    والفرق بين الموضعين : أن في مسألة العبد الواحد : لا يمكن غير جريان العتق في بعضه ، وأما في الأعبد : فتكميل الحرية في بعضهم بقدر الثلث ممكن ، فكان أولى من تنقيصها في كل واحد ، فإن المريض قصد تكميل الحرية في الجميع ، ولكن منع لحق الورثة ، فكان تكميلها في البعض موافقا لمقصود المعتق ; ومقصود الشارع ، أما المعتق فإنه أراد تخليص جملة الرقبة ، وأما الشارع فإنه متشوف إلى تكميل الحرية دون تشقيصها ، وتكميلها في الجميع : ضرر بالوارث ، وتكميلها في الثلث : مصلحة للمعتق والوارث والعبد ، ولا يجوز العدول عنه . فالقياس الصحيح ، وأصول الشرع : مع الحديث الصحيح ، وخلافه خلاف النص والقياس معا .

                    فإن قيل : فقد صار سدس كل عبد من الأعبد الستة مستحق الإعتاق ، فإبطاله إبطال لعتق مستحق ؟ قيل : ليس كذلك ، وإنما العتق المستحق عتق ثلث الأعبد ، وهو الذي ملكه إياه الشارع صلى الله عليه وسلم فصار كما لو أوصى بعتق ثلثهم ، فإنه هو الذي يملكه ، وما لا يملكه : تصرفه فيه لغو وباطل ، والوارث إذا لم يجز إعتاق الجميع : كان تصرف المعتق فيما زاد على الثلث بمنزلة عدمه ، وإذا كان إنما أعتق الثلث حكما : أخرجنا الثلث بالقرعة ، فأي قياس أصح من هذا وأبين ؟ .

                    فإن قيل : مدار الحديث على الحسن ، وهو يرويه عن عمران بن حصين ، وقد قال أحمد في رواية الميموني : لا يثبت لقاء الحسن لعمران بن حصين .

                    وقال مهنا : سألت أحمد عن حديث الحسن ، قال : " حدثني عمران بن حصين " قال : ليس بصحيح ، بينهما هياج بن عمران بن الفضيل التميمي البرجمي عن عمران بن حصين .

                    وقال عبد الله بن أحمد : وجدت في كتاب أبي - بخطه - حدثنا معاذ بن معاذ عن شعيب عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين حديث القرعة .

                    وقال المروذي : ذكر أبو عبد الله حديث أبي المهلب ، فقال : قد روى الحسن عن عمران ، ولم يسمعه ، وقال يقولون : إنه أخذه من كتاب أبي المهلب . [ ص: 251 ] قيل : هذا لا يضر الحديث شيئا ، فإن أبا المهلب قد رواه عن عمران بن حصين " . وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا : حدثنا إسماعيل وهو ابن علية - عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين " أن رجلا أعتق " فذكره .

                    وقال مسلم : حدثنا محمد بن منهال الضرير وأحمد بن عبدة قالا : حدثنا يزيد بن زريع حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين : بمثل حديث ابن علية وحماد . فهؤلاء ثلاثة عن عمران بن حصين : محمد بن سيرين ، وأبو المهلب ، والحسن البصري ، وغاية الحسن : أن يكون سمعه من واحد منهما .

                    قال عبد الله بن أحمد قال أبي : حدثت أنه كان في كتاب همام عن قتادة عن الحسن ، قال : حدثنا عمرو بن معاوية أبو المهلب - حديث القرعة ، وقال الخلال : أخبرني العباس بن محمد بن أحمد بن عبد الكريم ، حدثنا جعفر الطيالسي ، قال : قال يحيى عن الحسن حدثنا عمران بن حصين ، فإن لم يكن الحسن قد سمعه منه ، كان بمنزلة قوله : " حدث أهل بلدنا : " ولشهرة الحديث عندهم قال : " حدثنا " .

                    وقد وقع نظير هذا في حديث الدجال ، وقول الذي يقتله : " أنت الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه " . وقول أحمد عن حديث الحسن عن عمران : " لا يصح " إنما أراد : قول الحسن " حدثني عمران " فإن مهنا بن يحيى إنما سأله عن ذلك ، فقال : سألت أحمد عن حديث الحسن .

                    قال : " حدثني عمران بن حصين " قال : ليس بصحيح ، على أن الحديث قد صح من غير طريق عمران .

                    قال الخلال : أنبأنا أبو بكر المروذي ، حدثنا وهب بن بقية ، حدثنا خالد الطحاوي ، عن خالد يعني الحذاء - عن أبي قلابة عن أبي زيد : { أن رجلا من الأنصار أعتق ستة مملوكين له ، عند موته ، وليس له مال غيرهم ، فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أجزاء ، فأقرع بينهم ، فأعتق اثنين ، وأرق أربعة } .

                    قال المروذي قال أحمد : ما ظننا أن أحدا حدث بهذا إلا هشيم قال أبو عبد الله أبو زيد - هذا - رجل من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : كتبناه عن هشيم وقال : إليه أذهب .

                    قال أحمد : حدثنا شريح بن نعمان حدثنا هشيم قال : حدثنا خالد قال : حدثنا أبو قلابة عن أبي زيد الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله .

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية