الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 130 ] سورة الفرقان

                                                                                                                                                                                                                                        مكية كلها قال ابن عباس وقتادة : إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة وهي : والذين لا يدعون إلى قوله : غفورا رحيما

                                                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : تبارك في تبارك ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : تفاعل مع البركة ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه الذي يجيء البركة من قبله ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : خالق البركة : قاله إبراهيم . وفي البركة ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : العلو .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : الزيادة .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 131 ] الثالث : العظمة . فيكون تأويله على الوجه الأول : تعالى ، وعلى الوجه الثاني تزايد ، وعلى الوجه الثالث : تعاظم .

                                                                                                                                                                                                                                        و الفرقان هو القرآن وقيل إنه اسم لكل كتاب منزل كما قال تعالى : وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان وفي تسميته فرقانا وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : لأنه فرق بين الحق والباطل .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : لأن فيه بيان ما شرع من حلال وحرام ، حكاه النقاش .

                                                                                                                                                                                                                                        على عبده يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، وقرأ ابن الزبير ( على عباده ) بالجمع .

                                                                                                                                                                                                                                        ليكون للعالمين نذيرا فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : ليكون محمد نذيرا ، قاله قتادة ، وابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ليكون الفرقان ، حكاه ابن عيسى . والنذر : المحذر من الهلاك ، ومنه قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        فلما تلاقينا وقد كان منذر . . نذيرا فلم يقبل نصيحة ذي النذر



                                                                                                                                                                                                                                        والمراد بالعالمين هنا الإنس والجن لأن النبي صلى الله عليه قد كان رسولا إليهما ونذيرا لهما وأنه خاتم الأنبياء ، ولم يكن غيره عام الرسالة إلا نوحا فإنه عم برسالته جميع الإنس بعد الطوفان لأنه بدأ به الخلق ، واختلف في عموم رسالته قبل الطوفان على قولين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : عامة لعموم العقاب بالطوفان على مخالفته في الرسالة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : خاصة بقومه لأنه ما تجاوزهم بدعائه .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية