الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 623 ]

                          فصل

                          48 - وهذا فصل أختم به :

                          ينبغي أن يقال : ما هذا الذي أخذتم به أنفسكم؟ وما هذا التأويل منكم في عجز العرب عن معارضة القرآن؟ وما دعاكم إليه؟ وما أردتم منه؟ أأن يكون لكم قول يحكى ، وتكونوا أمة على حدة ، أم قد أتاكم في هذا الباب علم لم يأت الناس؟

                          فإن قالوا : أتانا فيه علم

                          قيل : أفمن نظر ذلك العلم أم خبر؟

                          فإن قالوا : من نظر.

                          قيل لهم : فكأنكم تعنون أنكم نظرتم في نظم القرآن ونظم كلام العرب ووازنتم فوجدتموه لا يزيد إلا بالقدر الذي لو خلوا والاجتهاد وإعمال الفكر ، ولم تفرق عنهم خواطرهم عند القصد إليه ، والصمد له لأتوا بمثله؟

                          فإن قالوا : كذلك نقول.

                          قيل لهم : فأنتم تدعون الآن أن نظركم في الصاحة نظر لا يغيب عنه شيء من أمرها ، وأنكم قد أحطتم علما بأسرارها ، وأصبحتم ولكم فيها فهم وعلم لم يكن للناس قبلكم.

                          وإن قالوا : عرفنا ذلك بخبر.

                          قيل : فهاتوا عرفونا ذلك ، وأنى لهم تعريف ما لم يكن ، وتثبيت ما لم يوجد!

                          [ ص: 624 ]

                          ولو كان الناس إذا عن لهم القول نظروا في مؤداه ، وتبينوا عاقبته ، وتذكروا وصية الحكماء حين نهوا عن الورود حتى يعرف الصدر ، وحذروا أن تجيء أعجاز الأمور بغير ما أوهمت الصدور إذا لكفوا البلاء ، ولعدم هذا وأشباهه من فاسد الآراء ، ولكن يأبى الذي في طباع الإنسان من التسرع ، ثم من حسن الظن بنفسه ، والشغف بأن يكون متبوعا في رأيه ، إلا أن يخدعه وينسيه أنه موصى بذلك ، ومدعو إليه ، ومحذر من سوء المغبة إذا هو تركه وقصر فيه . وهي الآفة لا يسلم منها ومن جنايتها إلا من عصم الله . وإليه عز اسمه الرغبة في أن يوفق للتي هي أهدى ، ويعصم من كل ما يوتغ الدين ، ويثلم اليقين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

                          [ ص: 625 ]

                          بسم الله الرحمن الرحيم

                          49 - قول من قال : "إنه يجوز أن يقدر الواحد من الناس من بعد انقضاء زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومضي وقت التحدي ، على أن يأتي بما يشبه القرآن ويكون مثله ، لأن ذلك لا يخرج عن أن يكون قد كان معجزا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، وحين تحدي العرب إليه" قول لا يصح إلا لمن لا يجعل القرآن معجزا في نفسه ، ويذهب فيه إلى "الصرفة".

                          فأما الذي عليه العلماء من أنه معجز في نفسه ، وأنه في نظمه وتأليفه على وصف لا يهتدي الخلق إلى الإتيان بكلام هو في نظمه وتأليفه على ذلك الوصف ، فلا يصح البتة ذاك- لا فرق بين أن يكون الفعل معجزا في جنسه كإحياء الموتى ، وبين أن يكون معجزا لوقوعه على وصف ، وإذا كان كذلك ، فكما أنه محال أن يكون ههنا إحياء ميت لا من فعل الله ، كذلك محال أن يكون ههنا نظم مثل نظم القرآن لا من فعله تعالى . فهذا هو.

                          ثم إنه قول إذ نقر عنه انكشف عن أمر منكر ، وهو إخراج أن يكون وحيا من الله ، وأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تلقاه عن جبريل عليه السلام- والذهاب إلى أن يكون قد كان على سبيل الإلهام ، وكالشيء يلقى في نفس الإنسان ويهدى له من طريق الخاطر والهاجس الذي يهجس في القلب . وذلك مما يستعاذ بالله منه ، فإنه تطرق للإلحاد ، والله ولي العصمة والتوفيق .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية