الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب شرب السم والدواء به وبما يخاف منه والخبيث

                                                                                                                                                                                                        5442 حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن سليمان قال سمعت ذكوان يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب شرب السم والدواء به وما يخاف منه ) هو بضم أوله ، وقال الكرماني يجوز فتحه ، وهو عطف على السم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والخبيث ) أي الدواء الخبيث ، وكأنه يشير بالدواء بالسم إلى ما ورد من النهي عن التداوي بالحرام ، وقد تقدم بيانه في كتاب الأشربة في " باب الباذق " في شرح حديث إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم وزعم بعضهم أن المراد بقوله : " به " منه ، والمراد ما يدفع ضرر السم ، وأشار بذلك إلى ما تقدم قبل من حديث من تصبح بسبع تمرات الحديث ، وفيه لم يضره سم فيستفاد منه استعمال ما يدفع ضرر السم قبل وصوله ، ولا يخفى بعد ما قال ، لكن يستفاد منه مناسبة ذكر حديث العجوة في هذا الباب . وأما قوله : " وما يخاف منه " فهو معطوف على الضمير المجرور العائد على السم ، وقوله : " منه " أي من الموت به أو استمرار المرض ، فيكون فاعل ذلك قد أعان على نفسه ، وأما مجرد شرب السم فليس بحرام على الإطلاق لأنه يجوز استعمال اليسير منه إذا ركب معه ما يدفع ضرره إذا كان فيه نفع ، أشار إلى ذلك ابن بطال . وقد أخرج ابن أبي شيبة وغيره أن خالد بن الوليد لما نزل الحيرة قيل له احذر السم لا تسقيكه الأعاجم ، فقال : ائتوني به [ ص: 259 ] فأتوه به ، فأخذه بيده ثم قال . بسم الله ، واقتحمه ، فلم يضره . فكأن المصنف رمز إلى أن السلامة من ذلك وقعت كرامة لخالد بن الوليد ، فلا يتأسى به في ذلك لئلا يفضي إلى قتل المرء نفسه . ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة في الباب ، ولعله كان عند خالد في ذلك عهد عمل به . وأما قوله : " والخبيث " فيجوز جره ، والتقدير والتداوي بالخبيث ، ويجوز الرفع على أن الخبر محذوف والتقدير ما حكمه ؟ أو هل يجوز التداوي به ؟ وقد ورد النهي عن تناوله صريحا ، أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما وصححه ابن حبان من طريق مجاهد عن أبي هريرة مرفوعا ، قال الخطابي : خبث الدواء يقع بوجهين : أحدهما : من جهة نجاسته كالخمر ولحم الحيوان الذي لا يؤكل ، وقد يكون من جهة استقذاره فتكون كراهته لإدخال المشقة على النفس ، وإن كان كثير من الأدوية تكره النفس تناوله ، لكن بعضها في ذلك أيسر من بعض . قلت وحمل الحديث على ما ورد في بعض طرقه أولى ، وقد ورد في آخر الحديث متصلا به يعني السم ، ولعل البخاري أشار في الترجمة إلى ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن سليمان ) هو الأعمش .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سمعت ذكوان ) هو أبو صالح السمان وقد أخرجه مسلم من رواية وكيع عن الأعمش عن أبي صالح ، ثم أردفه برواية شعبة عن سليمان قال : " سمعت ذكوان " مثله . وأخرجه الترمذي من رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة فقال عن الأعمش " سمعت أبا صالح " به ، وقدم في رواية وكيع من قتل نفسه بحديدة وثلث بقصة من تردى عكس رواية شعبة هنا . ووقع في رواية أبي داود الطيالسي المذكورة كرواية وكيع ، وكذا عند الترمذي من طريق عبيدة بن حميد عن الأعمش ولم يذكر قصة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من تردى من جبل ) أي أسقط نفسه منه ، لما يدل عليه قوله : فقتل نفسه على أنه تعمد ذلك ، وإلا فمجرد قوله تردى لا يدل على التعمد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ومن تحسى ) بمهملتين بوزن تغدى أي تجرع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يجأ ) بفتح أوله وتخفيف الجيم وبالهمز ، أي يطعن بها ، وقد تسهل الهمزة ، والأصل في يجأ يوجأ قال ابن التين : في رواية الشيخ أبي الحسن يجأ بضم أوله ، ولا وجه له ، وإنما يبنى للمجهول بإثبات الواو ويوجأ بوزن يوجد انتهى . ووقع في روايةمسلم يتوجأ بمثناة وواو مفتوحتين وتشديد الجيم بوزن يتكبر وهو بمعنى الطعن ، ووقع في رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة في أواخر الجنائز بلفظ الذي يطعن نفسه يطعنها في النار وقد تقدم شرحه هناك وبيان تأويل الخلود والتأبيد المذكورين . وحكى ابن التين عن غيره أن هذا الحديث ورد في حق رجل بعينه ، وأولى ما حمل عليه هذا الحديث ونحوه من أحاديث الوعيد أن المعنى المذكور جزاء فاعل ذلك إلا أن يتجاوز الله - تعالى - عنه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية