الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مثل الحمد للموحدين

مثل الحمد للموحدين مثل رجل يأخذ من حريفه من حانوته الشيء بعد الشيء فإذا اجتمع شيء أدى وأخذ بعد ذلك حتى تخف عنه أثقال الدين فإذا لم يؤد واجتمع المأخوذ [ ص: 158 ] وتراكم عليه الدين واقتضى فلم يوجد يوشك أن يقطع عنه ما كان يعطى ويقول صاحب الحانوت أد ما اجتمع وخذ ما بقي فيرده خائبا ويقطع عنه

فأسبغ الله تعالى النعم فلو ذهبنا نعد نعمه لم نحصها ولذلك قال الله تعالى وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ثم قال إن الله لغفور رحيم

فأهل رحمته هم الذين عصمهم الله من الاختلاف وقصدوا بقلوبهم عبادة خالقهم وربهم ولم يلتفتوا إلى معبود غيره قال الله تعالى ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم

قوله خلقهم أي خلقهم للرحمة فلما خلقهم للرحمة أعطاهم ثمن النعمة وهو الاعتراف بأن النعم كلها من الله تعالى وذلك كلمة الحمد فصير توحيده في كلمة لا إله إلا الله وتنزيهه في سبحان الله وتعظيمه في الله أكبر وشكر نعمه في الحمد لله

[ ص: 159 ] حدثنا سليمان بن العباس الهاشمي أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأس الشكر الحمد لله وما شكر الله عبده إلا بحمده فالشكر أصله في القلب ومعرفة العبد بربه أنه لا شريك له وفرعه على اللسان وهو كلمة لا إله إلا الله وتحقيقه في الطاعات فمن أكثر قول لا إله إلا الله فإنه يحط خطاياه ومن أكثر من قول الحمد لله فإنه يحط عن نفسه أثقال الشكر فعلمنا ربنا هذه الكلمة فنرددها على الألسنة حتى نكون في مثال ما مر بنا من المثل فنكون بمنزلة من يأخذ من حريفه الشيء بعد الشيء فإذا اجتمع أدى قليلا قليلا ثم يترك الأداء بغفلة حتى يركبه الدين ويثقل عليه فيعجز عن الأداء كما كان ها هنا إذا اجتمع عليه الحساب وتراكم فلم يقض انقطع ولم يعط النعم فإذا تراكمت ولم يواتر العبد بكلمة الحمد لم يأمن انقطاع النعم فرحم الله العباد فأعطاهم هذه الكلمة ليخففوا عن أنفسهم أثقال النعم ثم وضعت لهم هذه الكلمة في صلاتهم عند رفع الرءوس من الركوع فيقول سمع الله لمن حمده فصار هذا دعاء من قائل هذا القول لنفسه ولجميع الموحدين لأن كل مصل من الموحدين يقول هذا في صلاته من [ ص: 160 ] المفروض وغير المفروض فليست هذه كلمة يخص بها نفسه وإنما هي 67 لكل من حمده

فأول من نطق بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم عن تعليم جبريل عليه السلام إياه

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه إذا قال الإمام سمع الله [ ص: 161 ] لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد فإن الله تعالى قال ذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال (سمع الله لمن حمده قال (اللهم ربنا لك الحمد) كي لا يخلي نفسه من مقالة الحمد حتى يدخل في ذلك الدعاء

واعلم أن هذه الكلمة قول الله تعالى فما ظن من عقل هذا أن الله تبارك اسمه يدعو لعبده أين محل هذا الدعاء وماذا يخرج للعبد من هذا الدعاء ودعاء الرب أن يسأل بنفسه من نفسه للعبد وهو كقوله إن الله تعالى يصلي على العباد وقال الله تعالى في تنزيله هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما فإذا قال سمع الله لمن حمده ثم حمده العبد فقد سبقت دعوته للعبد وسمع ذلك له فقد أوجب للعبد

فهذه كلمة دقيقة خرجت من الله تعالى للعباد ثم خرجت من الرسول صلى الله عليه وسلم مقالته للعباد ثم خرجت من الجميع بعض لبعض فإذا قال العبد الواحد الحمد لله ثم ذكر في هذا وجد الله قد قال له سمع الله له ووجد الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال (سمع الله ووجد جميع الموحدين قد قالوا فعظم شأن هذه الكلمة

التالي السابق


الخدمات العلمية