الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن سورة المؤمنين

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى : قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون روى ابن عون عن محمد بن سيرين قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ، فلما نزلت : الذين هم في صلاتهم خاشعون نكس رأسه . وروى هشام عن محمد قال : " لما نزلت : الذين هم في صلاتهم خاشعون خفضوا أبصارهم فكان الرجل يحب أن لا يجاوز بصره موضع سجوده " . وروي عن جماعة : " الخشوع في الصلاة أن لا يجاوز بصره موضع سجوده " . وروي عن إبراهيم ومجاهد والزهري : " الخشوع السكون " . وروى المسعودي عن أبي سنان عن رجل منهم قال : سئل علي عن قوله : الذين هم في صلاتهم خاشعون قال : " الخشوع في القلب وأن تلين كنفك للمرء المسلم ولا تلتفت في صلاتك " وقال الحسن : " خاشعون خائفون " . قال أبو بكر : الخشوع ينتظم هذه المعاني كلها من السكون في الصلاة والتذلل وترك الالتفات والحركة والخوف من الله تعالى وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : اسكنوا في الصلاة وكفوا أيديكم في الصلاة وقال : أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا ، وأنه نهى عن مس الحصى في الصلاة وقال : إذا قام الرجل يصلي فإن الرحمة تواجهه فإذا التفت انصرفت عنه .

وروى الزهري عن سعيد بن المسيب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلمح في الصلاة ولا يلتفت . وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أبو توبة قال : حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام قال : حدثني السلولي أنه حدثه سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، وذكر الحديث إلى قوله : من يحرسنا الليلة ؟ قال أنس بن أبي مرثد الغنوي : أنا يا رسول الله ، قال : فاركب فركب فرسا له ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ولا يغرن من قبلك الليلة فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين ثم قال : هل أحسستم فارسكم ؟ قالوا : يا رسول الله ما أحسسناه ، فثوب بالصلاة ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب حتى إذا قضى صلاته وسلم قال : أبشروا فقد جاءكم فارسكم . فأخبر في هذا الحديث أنه كان يلتفت إلى الشعب وهو في [ ص: 92 ] الصلاة ، وهذا عندنا كان عذرا من وجهين :

أحدهما : أنه لم يأمن من مجيء العدو من تلك الناحية ، والثاني : اشتغال قلبه بالفارس إلى أن طلع . وروي عن إبراهيم النخعي أنه كان يلحظ في الصلاة يمينا وشمالا .

وروى حماد بن سلمة عن حميد عن معاوية بن قرة قال : قيل لابن عمر : إن كان الزبير إذا صلى لم يقل هكذا ولا هكذا قال : لكنا نقول هكذا وهكذا ونكون مثل الناس .

وروي عن ابن عمر أنه كان لا يلتفت في الصلاة ، فعلمنا أن الالتفات المنهي عنه أن يولي وجهه يمنة ويسرة ، فأما أن يلحظ يمنة ويسرة فإنه غير منهي عنه . روى سفيان عن الأعمش قال : " كان ابن مسعود إذا قام إلى الصلاة كأنه ثوب ملقى " . وروى أبو مجلز عن أبي عبيدة قال : " كان ابن مسعود إذا قام إلى الصلاة خفض فيها صوته وبدنه وبصره " .

وروى علي بن صالح عن زبير اليامي قال : " كان إذا أراد أن يصلي كأنه خشبة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية