الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن تيمم لشدة البرد وصلى ثم زال البرد ، فإن كان في الحضر لزمه الإعادة ; لأن ذلك من الأعذار النادرة ، وإن كان في السفر ففيه قولان ( أحدهما ) : لا يجب ; لأن عمرو بن العاص رضي الله عنه تيمم وصلى لشدة البرد ، وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمره بالإعادة .

                                      ( والثاني ) : يجب ; لأن البرد الذي يخاف منه الهلاك ، ولا يجد ما يدفع ضرره عذر نادر غير متصل فهو كعدم الماء في الحضر ) .

                                      [ ص: 366 ]

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 366 ] الشرح ) حديث عمرو وحاله تقدم بيانه في فصل تيمم المريض . وقوله : عذر نادر ، احتراز من المرض وعدم الماء في السفر ، وقوله : غير متصل ، احتراز من الاستحاضة .

                                      ( أما حكم المسألة ) فقال أصحابنا : إذا وجد المحدث أو الجنب الماء وخاف من استعماله لشدة البرد ، لا لمرض ونحوه وخوف ، يجوز للمريض التيمم ، فإن قدر على أن يغسل عضوا عضوا ويدثره ، أو قدر على تسخين الماء بأجرة مثله أو على ماء مسخن بثمن مثله لزمه ذلك ، ولم يجز له التيمم لا في الحضر ولا في السفر ; لأنه واجد للماء قادر على استعماله . ، فإن خالف وتيمم لم يصح تيممه ، ويلزمه إعادة ما صلى به ، وإن لم يقدر على شيء من ذلك وقدر على غسل بعض الأعضاء الظاهرة من غير ضرر لزمه ذلك ثم يتيمم للباقي ، وإن لم يقدر على شيء من ذلك تيمم وصلى لحديث عمرو بن العاص ، فإنه تيمم للبرد واستدل بالآية وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك كله ، وهل تجب إعادة هذه الصلاة ؟ قال أصحابنا : إن كان التيمم في السفر ففيه قولان مشهوران ، نص عليهما في البويطي ، رجح الشافعي رحمه الله منهما وجوب الإعادة ، وكذا رجحه جمهور الأصحاب ، وصحح المتولي والروياني في الحلية أنه لا إعادة لحديث عمرو .

                                      وأجاب الجمهور عن حديث عمرو : بأن الإعادة على التراخي وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز على المذهب الصحيح ، ويحتمل أنه كان يعلم وجوب الإعادة أو أنه كان قد قضى ، وإن كان في الحضر فطريقان قطع الجمهور في كل الطرق بوجوب الإعادة لندوره . وحكى الدارمي في الاستذكار وغيره من الأصحاب عن أبي الحسين بن القطان من أصحابنا أنه قال : إن قلنا : يعيد المسافر فالحاضر أولى ، وإلا فقولان ، ونقل العبدري في الكفارة عن أبي حاتم القزويني أنه قال : فيهما ثلاثة أقوال ; أحدها : يعيد الحاضر والمسافر ، والثاني : لا يعيدان ، والثالث : يعيد الحاضر دون المسافر . والصحيح : وجوب الإعادة عليهما ، هذا تفصيل مذهبنا . وحكى ابن المنذر وأصحابنا عن الحسن البصري وعطاء أنه لا يجوز له التيمم ، بل يستعمل الماء وإن مات . وحكوا عن مالك وأبي حنيفة والثوري أنه يتيمم ويصلي [ ص: 367 ] ولا يعيد ، لا المسافر ولا الحاضر ، واختاره ابن المنذر . وقال أحمد : لا يعيد المسافر ، وفي الحاضر روايتان ، ودليل الجميع يعرف مما سبق ، ولو كان معه ثوب نجس فخاف الهلاك من شدة حر أو برد لو نزعه صلى فيه وأعاد ، وقد ذكر المصنف المسألة في باب طهارة البدن والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية