الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف : رحمه الله تعالى ( ويجوز أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من النوافل ; لأنها غير محصورة فخف أمرها ، ولهذا أجيز ترك القيام فيها ، فإن نوى بالتيمم الفريضة والنافلة جاز أن يصلي النافلة قبل الفريضة وبعدها ; لأنه نواهما بالتيمم ، وإن نوى بالتيمم الفريضة ولم ينو النافلة جاز أن يصلي النافلة بعدها . وهل يجوز أن يصليها قبلها ؟ فيه قولان . قال في الأم : له ذلك ; لأن كل طهارة جاز أن يتنفل بها بعد الفريضة جاز قبلها كالوضوء ، وقال في البويطي : ليس له ذلك ; لأنه يصليها على وجه التبع للفريضة ، فلا يجوز أن يتقدم على متبوعها ، ويجوز أن يصلي على جنائز بتيمم واحد إذا لم يتعين ; لأنه يجوز تركها فهي كالنوافل ، وإن تعينت عليه ففيه وجهان . ( أحدهما ) : لا يجوز أن يصلي بتيمم أكثر من صلاة ; لأنها [ ص: 346 ] فريضة تعينت عليه فهي كالمكتوبة ، ( والثاني ) : يجوز وهو ظاهر المذهب ; لأنها ليست من جنس فرائض الأعيان ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الفصل فيه ثلاث مسائل : ( إحداها ) : يجوز أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من النوافل سواء تيمم للنفل فقط أم له وللفرض أم للفرض واستباح النفل تبعا ، وهذا متفق عليه إلا إذا قلنا - بوجه شاذ سبق في أوائل الباب - أن النفل لا يباح بالتيمم .

                                      ( المسألة الثانية ) : إذا تيمم للفرض والنفل أو للفرض وحده استباح الفرض واستباح النفل أيضا قبل الفريضة وبعدها في الوقت وبعد خروج الوقت ، وفي قول : لا يستبيح النفل قبل الفريضة إذا اقتصر على نية الفرض ، وفي وجه لا يستبيح النفل بعد خروج الوقت ، وقد سبق بيان هذا كله مشروحا مع ما يتعلق به في فصل نية التيمم .

                                      ( الثالثة ) : قال أصحابنا العراقيون : إذا لم يتعين عليه صلاة الجنازة فلها في التيمم حكم النوافل فيجمع بالتيمم الواحد بين صلوات جنائز كثيرة صلاة بعد صلاة ، وإن شاء صلى عليهن دفعة وله أن يجمع بين فريضة وجنائز ، وإن تعينت عليه فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما . أصحهما باتفاقهم : أنها كالنوافل وهو المنصوص للشافعي في كتبه المشهورة ، والثاني : كالفريضة فلا يجمع بينها وبين مكتوبة ، ولا بين صلاتي جنازة ، وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وأبي سعيد الإصطخري .

                                      وذكر الدارمي أن الكرابيسي نقله عن الشافعي فيكون قولا قديما ويصير في المسألة قولان ، قال العراقيون : ولا تصح صلاة الجنازة قاعدا مع القدرة على القيام ، سواء تعينت أم لا . وقال أصحابنا الخراسانيون : نص الشافعي رحمه الله أنه يجمع بين فريضة وجنائز بتيمم ، ونص أنها لا تصح على الراحلة ولا قاعدا ، واختلفوا على ثلاث طرق .

                                      ( أحدها ) : قولان أحدهما : يلحق بالفرائض في التيمم والقيام ، والثاني : يلحق بالنوافل فيهما .

                                      ( والطريق الثاني ) : إن تعينت فكالفرائض في التيمم والقيام وإلا فكالنوافل فيهما ، ( والثالث ) : تقرير النصين ، فلها حكم [ ص: 347 ] النفل في التيمم ، وإن تعينت ولا يجوز القعود فيها وإن لم يتعين ; لأنه معظم أركانها ، وهذا الثالث هو الصحيح عندهم ، وهو نحو طريقة العراقيين .

                                      وجمع إمام الحرمين وغيره هذا بعبارة مختصرة فقالوا : فيها أوجه أحدها : يجوز الجمع بتيمم ، والقعود ، والثاني : لا ، والثالث : يجوز إن لم يتعين . وإن تعينت فلا ، والرابع وهو الأصح : يجوز الجمع بتيمم مطلقا ، ولا يجوز القعود مطلقا . ولو أراد أن يصلي على جنازتين أو جنائز صلاة واحدة بتيمم وقلنا : لا يجوز صلاتان فوجهان أشهرهما : لا يجوز ، وبه قطع ابن الصباغ والمتولي والروياني ، والثاني : يجوز ، واختاره الشاشي .

                                      قال صاحب البحر وغيره : فعلى الأول لو تيمم بتيممين وصلى على الجنائز صلاتين أو صلاة واحدة لم يجز ; لأن التيمم على التيمم لا تأثير له ، بل هو في حكم تيمم واحد ، والله أعلم




                                      الخدمات العلمية