الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف : رحمه الله تعالى ( ولا يجوز أن يصلي بتيمم واحد أكثر من فريضة ، وقال المزني : يجوز ، وهذا خطأ لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : { من السنة ألا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للصلاة الأخرى } وهذا مقتضى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنها طهارة ضرورة ، فلا يصلي بها فريضتين من فرائض الأعيان ، كطهارة المستحاضة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) مذهبنا أنه لا يجوز الجمع بين فريضتين بتيمم سواء كانتا في وقت أو وقتين قضاء أو أداء ، ولا بين طوافين مفروضين ولا طواف وصلاة [ ص: 339 ] مفروضين ، ويتصور هذا في الجريح والمريض ، وسواء في هذا الصحيح والمريض والصبي والبالغ ، وهذا كله متفق عليه إلا وجها حكاه الرافعي عن حكاية الحناطي : أنه يجوز الجمع بين فوائت بتيمم وبين فائتة ومؤداة ، وإلا وجها حكاه الدارمي أن للمريض جمع فريضتين بتيمم ، وإلا وجها حكاه صاحب البحر والرافعي أنه يصح جمع الصبي فريضتين بتيمم ، وهذه الأوجه شاذة ضعيفة والمشهور ما سبق . ولو جمع منذورتين ، أو منذورات بتيمم أو منذورة ومكتوبة أو منذورات . قال القاضي أبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ وآخرون من العراقيين : لا يجوز قطعا ; لأن المنذورة واجبة متعينة فأشبهت المكتوبة ، وقال الخراسانيون والماوردي والدارمي من العراقيين : في جوازه وجهان أصحهما عند الجميع : لا يجوز . وبعضهم يقول : قولان . قال الخراسانيون : هما مبنيان على أن النذر يسلك به مسلك أقل واجب الشرع ؟ أم أقل ما يتقرب به ؟ وفيه قولان . فإن قلنا بالثاني جاز كالنافلة وإلا فلا كالمكتوبة ، وأما ركعتا الطواف ، فإن قلنا بالصحيح : إنهما سنة فلهما حكم النوافل ، فيجوز الجمع بينهما وبين مكتوبة بتيمم ، وإن قلنا : إنهما واجبتان لم يجز الجمع بينهما وبين فريضة أخرى ، وهل يجوز بينهما وبين الطواف ؟ فيه طريقان .

                                      ( أحدهما ) : لا ; لأنهما فرضان ، يفتقر كل واحد منهما إلى نية ( والطريق الثاني ) وبه قطع إمام الحرمين البغوي والرافعي : أنهما على وجهين أصحهما : لا يجوز ، ( والثاني ) : يجوز ، وهو قول ابن سريج وبه قطع صاحبا الحاوي والتتمة ; لأنها تابعة للطواف ، فهي كجزء منه وهذا ضعيف ; لأنها لو كانت كالجزء لم يجز الفصل بينها وبين الطواف وقد اتفقوا على أنه لو أخر ركعتي الطواف عنه سنين ، ثم صلاهما جاز والله أعلم .

                                      ولو صلى فريضة بتيمم ثم طاف به تطوعا جاز ، فلو أراد أن يصلي به ركعتي هذا الطواف فهو على الطريقتين إن قلنا بالوجه الضعيف : إن ركعتي طواف التطوع واجبة لم يجز ، وإن قلنا بالمذهب : إنها سنة جاز قطعا . قال البغوي وغيره : وفي جواز الجمع بين خطبة الجمعة وصلاتها وجهان كالطواف ; لأنها تابعة للصلاة ، هذا إذا شرطنا الطهارة في خطبة الجمعة ، وهو الأصح والله أعلم . [ ص: 340 ]

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء فيما يباح بالتيمم الواحد من فرائض الأعيان . مذهبنا : أنه لا يباح إلا فريضة واحدة ، وبه قال أكثر العلماء . وحكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن العباس وابن عمر والشعبي والنخعي وقتادة وربيعة ويحيى الأنصاري ومالك والليث وأحمد وإسحاق .

                                      وحكي عن ابن المسيب والحسن والزهري وأبي حنيفة ويزيد بن هارون أنه يصلي به فرائض ما لم يحدث ، قال : وروي هذا أيضا عن ابن عباس وأبي جعفر ، وقال أبو ثور : يجوز أن يجمع فوائت بتيمم ولا يصلي به بعد خروج الوقت فريضة أخرى هذا ما حكاه ابن المنذر . وقال المزني وداود : يجوز فرائض بتيمم واحد كما قال أبو حنيفة وموافقوه ، قال الروياني في الحلية : وهو الاختيار وهو الأشهر من مذهب أحمد خلاف ما نقله عنه ابن المنذر ، واحتج لمن جوز فرائض بتيمم واحد ، بقوله صلى الله عليه وسلم : { الصعيد الطيب وضوء المسلم ما لم يجد الماء } وهو حديث صحيح سبق بيانه ، وبالقياس على الوضوء وعلى الجمع بين نوافل بتيمم وعلى مسح الخف ; ولأن الحدث الواحد لا يجب له طهران . واحتج أصحابنا بقوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } إلى قوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } فاقتضى وجوب الطهارة عند كل صلاة ، فدلت السنة على جواز صلوات بوضوء فبقي التيمم على مقتضاه ، واحتجوا بحديث ابن عباس المذكور في الكتاب ، ولكنه ضعيف رواه الدارقطني والبيهقي وضعفاه ; فإنه من رواية الحسن بن عمارة ، وهو ضعيف ، واحتج البيهقي بما رواه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث " . قال البيهقي : إسناده صحيح قال : وروي عن علي وابن عباس وعمرو بن العاص ، ولأنهما مكتوبتان فلا تباحان بطهارة ضرورة كصلاتي وقتين في حق المستحاضة ; ولأنها طهارة ضرورة فلا يباح بها إلا قدر الضرورة . والجواب عن احتجاجهم بالحديث : أن معناه يستبيح بالتيمم صلاة بعد صلاة بتيممات ، وإن استمر ذلك عشر سنين حتى يجد الماء .

                                      هذا معناه عند [ ص: 341 ] جميع العلماء ، وعن قياسهم على الوضوء : أنه طهارة رفاهية يرفع الحدث ، والتيمم طهارة ضرورة فقصرت على الضرورة . وعن النوافل أنها تكثر ويلحق المشقة الشديدة في إعادة التيمم لها فخفف أمرها لذلك ، كما خفف بترك القيام فيها مع القدرة وبترك القبلة في السفر ، ولا مشقة في الفرائض ، ولهذا المعنى فرق الشرع بين قضاء الصوم والصلاة في الحائض ، وعن مسح الخف بأنه طهارة قوية ، يرفع الحدث عن معظم الأعضاء بالاتفاق ، وكذا عن الرجل على الأصح ، والتيمم بخلافه ، ولأن مسح الخف تخفيف ولهذا يجوز مع إمكان غسل الرجل ، والتيمم ضرورة لا يباح إلا عند العجز ، فقصر على الضرورة ، وعن قولهم : الحدث الواحد لا يوجب طهارتين أن الطهارة هنا ليست للحدث بل لإباحة الصلاة ، فالتيمم الأول أباح الصلاة الأولى والثاني الثانية والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية