الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون ( 189 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( يسألونك عن الأهلة ) نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم الأنصاريين قالا يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يمتلئ نورا ثم يعود دقيقا كما بدأ ولا يكون على حالة واحدة ؟ فأنزل الله تعالى ( يسألونك عن الأهلة ) وهي جمع هلال مثل رداء وأردية سمي هلالا لأن الناس يرفعون أصواتهم بالذكر عند رؤيته من قولهم استهل الصبي إذا صرخ حين يولد وأهل القوم بالحج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية ( قل هي مواقيت للناس والحج ) جمع ميقات أي فعلنا ذلك ليعلم الناس أوقات الحج والعمرة والصوم ، والإفطار وآجال الديون وعدد النساء ، وغيرها فلذلك خالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة على حالة واحدة ( وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ) [ ص: 212 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قال أهل التفسير كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة لم يدخل حائطا ولا بيتا ولا دارا من بابه فإن كان من أهل المدر نقب نقبا في ظهر بيته ليدخل منه ويخرج أو يتخذ سلما فيصعد منه وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ولا يدخل ولا يخرج من الباب حتى يحل من إحرامه ويرون ذلك برا إلا أن يكون من الحمس وهم قريش وكنانة ، [ وخزاعة وثقيف وخثعم ، وبنو عامر بن صعصعة وبنو مضر بن معاوية سموا حمسا لتشددهم في دينهم والحماسة الشدة والصلابة ] فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بيتا لبعض الأنصار ، فدخل رجل من الأنصار يقال له رفاعة بن التابوت على أثره من الباب وهو محرم فأنكروا عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لم دخلت من الباب وأنت محرم قال رأيتك دخلت فدخلت على أثرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحمس فقال الرجل إن كنت أحمسيا فإني أحمسي رضيت بهديك وسمتك ، ودينك فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقال الزهري : كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء وكان الرجل يخرج مهلا بالعمرة فتبدو له الحاجة بعدما يخرج من بيته فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف البيت أن يحول بينه وبين السماء فيفتح الجدار من ورائه ثم يقول في حجرته فيأمر بحاجته حتى بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل زمن الحديبية بالعمرة فدخل حجرة فدخل رجل على أثره من الأنصار من بني سلمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لم فعلت ذلك قال لأني رأيتك دخلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحمس فقال الأنصاري وأنا أحمس يقول وأنا على دينك فأنزل الله تعالى ( وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها )

                                                                                                                                                                                                                                      قرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر الغيوب ، والجيوب ، والعيون وشيوخا بكسر أوائلهن لمكان الياء وقرأ الباقون بالضم على الأصل وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي " جيوبهن بكسر الجيم وقرأ أبو بكر وحمزة " الغيوب بكسر العين ( ولكن البر من اتقى ) أي البر بر من اتقى

                                                                                                                                                                                                                                      ( وأتوا البيوت من أبوابها ) في حال الإحرام ( واتقوا الله لعلكم تفلحون ) .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية