الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الأول : في استحقاق القسم . من له زوجة واحدة ، ينبغي أن لا يعطلها ، فيستحب أن يبيت عندها ويحصنها ، وأدنى الدرجات أن [ لا ] يخلي أربع ليال عن [ ص: 345 ] ليلة ، ولا يجب عليه المبيت بحال ؛ لأنه حقه فله تركه . ولو كان له مستولدات أو إماء ، فلا قسم لهن ، ويستحب أن لا يعطلهن ، وأن يسوي بينهن .

                                                                                                                                                                        ولو كان معهن نساء ، فلا قسم بينهن وبين النساء . حتى لو بات عند المنكوحات أو عند الإماء ، فلا قسم للأخريات .

                                                                                                                                                                        وإذا كان تحته زوجتان فأكثر ، فالإعراض عن جملتهن كالإعراض عن الواحدة المنفردة . وحكى القاضي أبو حامد وجها أنه يلزمه القسم بينهن ، ويحرم إعراضه عنهن ، ويمكن أن يجيء مثله في الواحدة .

                                                                                                                                                                        ولو بات عند بعضهن ، لزمه مثله للباقيات . وإذا سوى بينهن في الظاهر ، لم يؤاخذ بزيادة ميل قلبه إلى بعضهن ، ولا تجب التسوية في الجماع ، لكن يستحب التسوية فيه وفي سائر الاستمتاعات . ولو قسم بينهن مدة وسوى ثم أعرض عنهن ، جاز كالابتداء .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        فيمن تستحق القسم .

                                                                                                                                                                        فيه مسائل .

                                                                                                                                                                        إحداها : تستحقه المريضة ، والرتقاء ، والقرناء ، والحائض ، والنفساء ، والمحرمة ، والمؤلى منها ، والمظاهر منها ، والمراهقة ، والمجنونة التي لا يخاف منها ؛ لأن المراد الأنس . قال المتولي : والمعتدة عن وطء شبهة لا قسم لها ؛ لأنه يحرم الخلوة بها .

                                                                                                                                                                        [ ص: 346 ] الثانية : إذا نشزت عن زوجها ، بأن خرجت من مسكنه ، أو أراد الدخول عليها فأغلقت الباب ومنعته ، أو ادعت عليه الطلاق ، أو منعت التمكين ، فلا قسم لها كما لا نفقة . وإذا عادت إلى الطاعة ، لم تستحق القضاء ، وامتناع المجنونة كامتناع العاقلة ، لكن لا تأثم .

                                                                                                                                                                        الثالثة : إن لم ينفرد بمسكن وطاف عليهن في مساكنهن ، فذاك ، وإن انفرد ، فيتخير بين المضي إليهن ودعائهن إلى مسكنه في نوبتهن والأول أولى اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم . فإن دعاهن ، لزمهن الإجابة . ومن امتنعت ، فهي ناشزة .

                                                                                                                                                                        وهل له أن يدعو بعضهن إلى مسكنه ويمضي إلى مسكن بعضهن ؟ وجهان . وقال الحناطي : قولان . أصحهما : المنع ، وبه قطع البغوي والسرخسي وغيرهما .

                                                                                                                                                                        فإن أقرع بينهن ليدعو من خرجت قرعتها إلى منزله ، فينبغي القطع بالجواز ، كالمسافرة ببعضهن بالقرعة . ثم الوجهان ، إذا لم يكن التخصيص بعذر ، فإن كان بأن كان مسكن إحداهما قريبا إليه ، فمضى إليها ودعا الأخرى لتخف عنه مؤنة السير ، لزمها الإجابة ، وكذا لو كان تحته عجوز وشابة ، فحضر بيت الشابة لكراهة خروجها ودعا العجوز ، فلزمها الإجابة ، فإن أبت ، بطل حقها .

                                                                                                                                                                        وإذا كان يدعوهن إلى منزله ، فمنع بعضهن شغل لها ، بطل حقها . وإن منعها من الإجابة مرض ، قال ابن كج : عليه أن يبعث إليها من يحملها إليه .

                                                                                                                                                                        ولو أقام عنده واحدة منهن ، ودعا الباقيات إلى بيتها ، لم تلزمهن الإجابة لما فيه من المشقة .

                                                                                                                                                                        [ ص: 347 ] الرابعة : إن سافرت معه ، فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى . وإن سافرت وحدها من غير إذنه ، فهي ناشزة . وإن أذن ، نظر ، إن كان السفر لغرضه ، بقي حقها فيقضيه من حق الباقيات . وإن كان لغرضها كحج وتجارة ، سقط حقها على الجديد ، فلا قضاء لها . وقيل بالسقوط قطعا ، وفائدة الإذن دفع الإثم .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        فيمن يستحق عليه القسم .

                                                                                                                                                                        هو كل زوج عاقل ، وإن كان مراهقا أو سفيها . فإن جاز المراهق ، فالإثم على وليه ، وإن جاز السفيه ، فعلى نفسه ،

                                                                                                                                                                        [ و ] أما المجنون ، فإن كان لا يؤمن منه ضرر ، فلا قسم ، وإن أمن ، فإن كان قسم لبعضهن ثم جن ، فعلى الولي أن يطوف به على الباقيات قضاء لحقوقهن ، كقضاء الديون .

                                                                                                                                                                        قال المتولي : وذلك إذا طلبن . فإن أردن التأخير إلى إفاقته لتتم المؤانسة ، فلهن ذلك . وإن لم يكن عليه شيء من القسم ، فإن رأى منه ميلا إلى النساء ، وقال أهل الخبرة : ينفعه غشيانهن ، لزم الولي أن يطوف به عليهن ، أو يدعوهن إلى منزله ، أو يطوف به على بعضهن ، ويدعو بعضهن كما يرى .

                                                                                                                                                                        وإن لم ير منه ميلا ، فليس عليه الطواف به . وحكى الفوراني وجها ، أن حق القسم يبطل بالجنون ، ولا يطالب الولي برعايته بحال ، ولا يجري الوجه فيما إذا قيل : ينفعه الغشيان . ولو قيل : يضره ، لزمه منعه عنهن .

                                                                                                                                                                        أما من به جنون منقطع ، فإن ضبط ، كيوم ويوم ، جعلت أيام الجنون [ ص: 348 ] كالغيبه ، ويقسم في إفاقته . ولو أقام في الجنون عند واحدة ، فلا قضاء ولا اعتداد به ، كذا قاله البغوي وغيره ، وفيه إشعار بأنه لا يقسم أيام جنونه . وحكى أبو الفرج وجها ، أنه إذا أقام في الجنون عند واحدة ، قضى للباقيات .

                                                                                                                                                                        وقال المتولي : يراعي القسم في أيام الإفاقة ، ويراعيه الولي في الجنون ، ولكل واحدة نوبة من هذا ، ونوبة من هذا ، وهذا حسن . وإن لم تنضبط الإفاقة ، وقسم الولي لواحدة في الجنون ، وأفاق في نوبة الأخرى ، قال الغزالي : يقضي ما جرى في الجنون لنقصه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية