الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 307 ] قال : ( والأفضل في البدن النحر وفي البقر والغنم الذبح ) لقوله تعالى: { فصل لربك وانحر }قيل في تأويله الجزور ، وقال الله تعالى : { أن تذبحوا بقرة }وقال الله تعالى : { وفديناه بذبح عظيم }والذبح ما أعد للذبح ، وقد صح { أن النبي عليه الصلاة والسلام نحر الإبل وذبح البقر والغنم }ثم إن شاء نحر الإبل في الهدايا قياما أو أضجعها ، وأي ذلك فعل فهو حسن ، والأفضل أن ينحرها قياما لما روي { أنه عليه الصلاة والسلام نحر الهدايا قياما وأصحابه رضي الله عنهم كانوا ينحرونها قياما معقولة اليد اليسرى }( ولا يذبح البقر والغنم قياما ) لأن في حالة الاضطجاع المذبح أبين فيكون الذبح أيسر والذبح هو السنة فيهما .

                                                                                                        [ ص: 307 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 307 ] الحديث الخامس : صح { أنه عليه السلام نحر الإبل ، وذبح البقر والغنم }; قلت : تقدم في حديث جابر الطويل : { ثم انصرف إلى المنحر ، فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده ، ثم أعطى عليا ، فنحر ما غبر } ، الحديث ، وذبح البقر ، أخرجه البخاري ، ومسلم عن { عائشة قالت : فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه } ، مختصر . وذبح الغنم ، أخرجه الأئمة الستة عن أنس ، قال : { ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين ، فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما ، يسمي ويكبر ، فذبحهما بيده }انتهى . وينظر أحاديث " الحج والأضاحي والذبائح " .

                                                                                                        الحديث السادس : روي { أنه عليه السلام نحر الهدايا قياما ، وأصحابه كانوا ينحرونها قياما معقولة اليد اليسرى }; قلت : أخرج البخاري ، ومسلم عن أنس ، قال : { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا ، ونحن معه ، إلى أن قال : ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع بدنات قياما } ، مختصر .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، ومسلم عن زياد بن جبير ، قال : كنت مع ابن عمر بمنى ، فمر برجل وهو ينحر بدنته ، وهي باركة ، فقال : ابعثها قياما مقيدة ، سنة محمد صلى الله عليه وسلم انتهى .

                                                                                                        وروى الواقدي في " كتاب المغازي " حدثني الهيثم بن واقد عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن { ناجية بن جندب ، قال : كنت على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة ، [ ص: 308 ] إلى أن قال : فلما بلغنا منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى أرسل إلي : أن سق الهدي إلى النحر . قال : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينحر الهدي بيده ، وأنا أقدمها إليه ، تمشي على ثلاث قوائم ، وهي معقولة واحدة } ، مختصر .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر ، قال : وأخبرني عبد الرحمن بن سابط { أن النبي عليه السلام ، وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليد اليسرى ، قائمة على ما بقي من قوائمها }انتهى . وجهل من قال : هذا حديث مرسل ، فإن المخبر عن عبد الرحمن بن سابط هو ابن جريج ، فالحديث من مسند جابر ، كما ذكره أصحاب " الأطراف " ، وكتب الأحكام وغيرهم ، لكن رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن سابط أن النبي عليه السلام ، فذكره مرسلا ، قال ابن القطان في " كتابه " . بعد أن ذكره من جهة أبي داود : القائل : وأخبرني ، هو ابن جريج ، فيكون ابن جريج رواه عن تابعين : أحدهما : أسنده ، وهو ابن الزبير ، والآخر : أرسله ، وهو عبد الرحمن بن سابط ، قال : وقد رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " مرسلا عن ابن سابط فقط ، مفصولا من حديث أبي الزبير انتهى كلامه .

                                                                                                        واعترض هذا الجاهل أيضا على صاحب الكتاب ، فقال : ولو استدل على عقل يدها اليسرى بفعل النبي عليه السلام لكان أولى من أن يستدل عليه بفعل الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا اعتراض باطل ، فإن المصنف لم يذكر ذلك ، فيستدل عليه ، ولكنه قال : والأفضل أن ينحرها قائما ، لما روي { أنه عليه السلام نحر الهدايا قياما ، وأصحابه كانوا ينحرونها قياما ، معقولة اليد اليسرى } ، انتهى . فعقل اليد لم يذكره المصنف إلا من تمام الحديث ، والله أعلم .




                                                                                                        الخدمات العلمية